الجمعة، ديسمبر 12، 2014

أ د : فتوح خليل يكتب : فن الواو




فَنُّ الواو ....
وهو من أجمل الفنون الشعبية ، وفيما يبدو لي أنَّ هذا الفن وشيج الصلة بما نحن بصدده ، وهو فن من فنون الشعر القديم الموجودة في صعيد مصر ، وهو من الفنون الكثيرة التي كادت تندثر؛ لولا فئة من محبي هذا الفن الأصيل، عملوا على إحياء ذلك الضرب من ضروب الشعر، ومن أولئك الشاعر عبد الرحمن الأبنودي وعبد الستار سليم.

وفن الواو أو المربع ـ كما يسمونه في صعيد مصر ـ يتكون من ثلاثة أشطر شعرية مكتوبة أفقيا تتفق قافية الشطر الأول مع قافية الشطر الثالث، وقافية الشطر الثاني مع الرابع ، وتكون نهاية كل شطرين متفقين فى القافية وفى شكل كتابة الكلمات. أما الاختلاف فهو يظهر فى معنى الكلمة، ومن ذلك قوله :
أول كلامي حصــلّي عللي الغــزالة مشت له
واحكيله عللي حصـلي وازرع همــومي فى مشاتله
ففي الشطر الأول وردت كلمة (حصلي) بمعنى الصلاة على المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وفى الشطر الثالث وردت بمعنى (حدث لي) ، وكذلك فى الشطر الثاني وردت كلمة (مشت له) بمعنى (سارت إليه ) ، وفى الشطر الرابع جاءت بمعنى ( مزارعه ).
ومنه :
على سوء حظي اتلوى الزان لما عملتــه سريـــري
لــو يوزن القول وزان قمحك ما يسوى شعيري
ومنه :
قلبي اللي عايش فى نارك مسيــره يرجع لرشده
لو حتى ضاوي فنـارك عمـره ما يهديه لرشده
أما الشاعرالشعبي المتأثر بقول " ابن عروس" فيقول :
في الندل هات العصـا العوجه وانزل دق
اكمنه تعبان انزل فـوق دمـــاغه دق
ماعرفشي طعم الشرف ولا حتي طعمه داق
لابينفعك في الشتا ولايكرمك في الصيـف
شاطر في أكل الحرام زي اللهيب في السف
تملي سقعان ومكرمش في عز الصيـف
ولا تلتقي ضيف علي بابهم في مـره دق
والشاعر العامي هنا أعطي للكلمات المتداولة ، لغة شاعرية هامسة ، كانت قليلة التأثير قبل استعمالها في شعره.
المربعات وشاعر الربابة:
لشاعر الربابة دور كبير في انتشار المربعات ، أو (فن الواو) ـ كما يسمى في مصر ، وخير دليل على ذلك شعراء السيرة الهلالية، حيث يروونها في صورة مربعات ، وللسيرة تقاليد يتبعها الشاعر قبل دخوله فى الأحداث ، حيث يبدأ أولا بذكر الله والصلاة على النبى ومدحه ، وهو يمهد بهذه "التمهيدة" الثانية لدخول عالم السيرة ، ومن ذلك قوله:
بعد المديح في المكمـل أحمد أبو درب سالك
أحكي في سيرة واكمل عرب يذكرو قبل ذلك
وقوله :
سيرة عرب أقدميين كانوا ناس يخشو الملامه
بطلهم أسد سبع ومتين يسمى الهلالي سلامـه
ومنه :
لم يخلق الرحمن مِثَل محـمــدٍ نبى الهدى اللى جانا بالقـرآن
صلى عَلَيْكَ اللهُ يا عَلَمَ الهـدى يا نور العيون يا صفوة الرحمنِ
****************
صـلاة النبى تغـنى عن القوت وتمنع الـبــلا والمراضـى
يستـاهـل علقتـه بالسـوط اللى معاه كفو الزياره وما راضى
وبعد مدح النبى والشكوى من غِيَر الأيام ينتقل الشاعر إلى سرد أحداث السيرة فى شعرية تربط بين "الصلاة على النبى ومدحه" وما سيأتى من أحداث.
ويعتمد المربع على الارتجال اللحظي هذا بالإضافة إلى الإرث الموجود ، المنسوب لابن عروس ، وهو مؤسس هذا الفن عن أرباب هذا النوع ، حيث ينسبون له نشأة فن الواو أو المربعات، والمربع المكون من أربعة أشطر يعتمد على ترجمة فكرة ما ، تبدأ وتنتهي خلال تلك الأشطر الأربعة ، ومن مربعات ابن عروس :
أنــا باوَحِّد اللي خلق الناس خلق مسلمين ونصــــارى
وناس نامت على فَرش وِكْناس وناس ع المعايش حيارى
ومن المربع قول آخر:
طبيـب الجرايح قوم اِلحــق وهـات لي الدوا اللي يوافق
فيه ناس كتير بتعرف الحــق ولاجـل الضرورة توافـق
وقول الآخر :
فَرَطت قِلعِي ما جانيش ريح وعــاودت ع البَر ناوي
ياما نـاس زيِّنا مجــاريح لكين صـابرة ع البلاوي
وقول الآخر :
شوف الزمان انتهت عَدَلِيهْ وادي البُطْل ع الحق راكِب
جـه السبع يُطلُب عدليـه لِقِي الهِلف ع التخت راكب
وقول الآخر :
إوعى تقول للندل يا عم ولوكان على السـرج راكب
ولا حــد خالي من الهم حتى قلوع المــــراكب
وقول الآخر :
ولابـــد من يوم محتوم تتـرد فيه المظــــالم
أبيض على كل مظلـوم أسوَد على كل ظــالم
وقول الآخر :
غربي بلدنا بلد سيـــح وادي الهِـلف ماشي ورانا
مش عيب كراسي التماسيح تقعــــد عليها الوِرانا
وقد كتب بيرم التونسي عددا من المربعات ، وإن كانت أقل الأشكال كماً فى دواوينه، منها :
قريـت ومليـت كفايــه خوف السقوط والبطاله
وكل ما ازداد قــرايــه بالـدنيـا أزداد جهاله
ومنها :
يـــا طالب العلم تنداس لو يبقى علمك بضاعــه
تنفع وتستنفع النـــاس لو كنت صاحب صناعـه
ومنها :
يــا عـالـم العلـم بالله يـزيد فى نـــور البصيره
واللى استنـــارت نواياه يلقى الدهب فى الحصــيره
ومنها :
إن كـت تطلـب رضـا الله يجعل لك الـناس عبيـــدك
وإن كنت تطلب رضــا الناس أقـلهـم يبقـى سيـــدك

ليست هناك تعليقات: