شينُ الشهيد
السيد الجزايرلي
************
شينُ الشهيدِ شهادةٌ..
لا تشْتَهي صمتَ الجدارْ
موُّالُ ليلٍ حالكٍ
جابَ القُرَى
وتعلَّمَ الأحزانَ من عجزِ النهارْ
أمَّا الشهيدُ
فكانَ أكبرَ من حكاياتِ الطفولةِ،
من سقوطِ الرملِ في فخِّ الرياحِ
ومن هديرِ البحرِ في ليلِ الحسومْ
هذا الفضاءُ الرحبُ أوَّلُ غرفةٍ
قد أَمْهَلَتْهُ
لكيْ يُقارنَ بين أسوارِ السجونِ
وشكلِ خارطةِ الوطنْ
هذا البياضُ بدايةٌ لقصيدةٍ
لم تكتملْ
وهنا استعانَ على المواجعِ بالعبثْ
كان الكتابُ نهارَهُ الشعريَّ
في الليلِ الطويلِ
رغيفَهُ المغموسَ في حبرِ المرارةِ،
والتعبْ
وهواءَهُ المطرودَ من ريحِ المواسمِ
للغضبْ
هَوَ لم ينمْ إلا على سجَّادةٍ
قد عمَّقتْ في الأرضِ أوجاعَ المساءِ
وعتَّقتْ خمرَ الرطوبةِ في العظامْ
كان الشهيدُ
يذودُ عن شرفِ الشوارعِ بالزحامِ
وكان أكبرَ من حكاياتِ الطفولةِ
من علاماتِ الرجولةِ
من رصاصاتِ النظامْ
فاحملْ رُفاتَ الشِّينِ من شرِّ الكلامْ
شينُ الشهيدِ
ولادةٌ،
وقلادةٌ..
ونبوءةٌ
لن تَحْتمي بالليلِ من صهْدِ الحصارْ
وأنا اكتفيتُ مِنَ الوصيَّةِ بالأملْ
هَوَ لمْ يمتْ حتى تُشاطِرَني البكاءْ
بالأمسِ عادَ لكيْ يَصُبَّ الماءَ فوقَ
عباءةِ العُشْبِ المُهانْ
بالأمسِ عادَ
وكان يضحكُ في وجوهِ المتعبينَ
ويطْمئنُّ على الصغارِ النائمينَ
يَلُمُّ أطفالَ الشوارعِ من زنازينِ العراءِ
سمعْتُهُ..
يُلْقي السلامَ على جميعِ الأنبياءْ
ورَأَيْتُهُ..
بالقرْبِ من سورِ الحديقةِ حاملاً
نَفْسَ الشعارْ
واليومَ جاءَ مجدداً
اليومَ جاءَ بألْفِ صوتٍ
يَعْتَلي رأسَ الحصارْ
وَرَأَيْتُهُ..
بينَ الجموعِ كغيمةٍ
راحتْ تُزيحُ الحزنَ عن وجهِ المساجدِ،
والكنائسِ،
والشوارعِ،
والبيوتْ
قد كان يرفعُ راحتيْهِ إلى السماءِ
وكان ينظرُ للمدرَّعِ، والمُجَنْزَرِ، والمُهَدَّمِ
ثُمَّ يجهشُ بالدعاءْ
هَوَ لَمْ يمتْ (رغمَ) القنابلِ والرصاصْ
بالأمسِ عادَ بركعتينْ
واليومَ جاءَ بغيمتينْ
وغداً يعودُ محمَّلاً بالأمنياتْ
سيرمِّمُ الجُرْحَ الذي فضحَ البنادقَ
حينما بَصَمَتْ على وجهِ الحوائطِ بالنِّدُوبِ
وبالثُّقوبْ
سيقدُّ شينَ الشمسِ من جِهَةِ الغروبْ
ويقودُ فجراً لا يُلامِسُهُ الضلالْ
هُوَ لَمْ يمتْ (رغمَ) القنابلِ والرصاصْ
فاركبْ حِصانَ الريحِ كَيْ تَطْوِي الرمالْ
داوِ البلادَ بثورةٍ
فأنا اكتفيتُ مِنَ الوصيَّةِ بالأملْ
وأنا اختبأتُ مِنَ الإجابةِ
في السؤالْ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق