بقلم أسامة عبدالشكور القوصي ـ ـ ـ سلسلة ( ضي الحروف )
رؤية في أعمال الأستاذ القاص : عصام سعد حامد
يقول إيركرومبي تعريفًا طريفاًٌ وموضوعيًا للأدب فيقول :
الأدب صياغة فنية لتجربة بشرية ، يظهر فيها أسلوب الأديب ومعالجته لموضوع هو أحد التجارب البشرية .
الأدب صياغة فنية لتجربة بشرية ، يظهر فيها أسلوب الأديب ومعالجته لموضوع هو أحد التجارب البشرية .
وكما نقول ونردد دائمًا : الأدب مرآة المجتمع، والأديب عبارة عن صورة فوتوغرافية لمجتمعه الذي يعيش فيه ويتفاعل معه ، مهما دعم هذا الأديب تلك الصورة بالمحسنات والخيال والرتوش الفنية واستلهام المستقبل واستقراء الواقع .
وتعد القصة العربية من أكثر الفنون الأدبية التصاقـًا بالمجتمع وبمثابة تأريخ لأحداث وأحوال المجتمعات الصغيرة داخل المجتمع الكبير وانعكاساتها علي الأفراد.
وعصام سعد حامد ، قاص وهبه الله ذائقة أدبية عالية ، وقدرة علي مراقبة الأحداث الصغيرة والكبيرة مما كوَّن لديه مخزونًا ذاتيًا لتناوله متي توافق مع قريحته وعاطفته لحظة نيته لبدء العرض الأدبي الخاص به --------
لا . يا ....... محترم
من لحظة ترحيله من سراى النيابة . بصحبة عسكرى بمشتملاته من سلاح وأساور ميرى .... ولا أثر له . لا هو ولا العسكرى الميرى .
حدث بعد ذلك عددا ً من الجرائم . ألصقها به أحد السادة المحترمين ......... , الذين يكرهون عبارة (الفاعل مجهول) . الجرائم تتم . ثم تفصل على قلب وقالب الهارب .... وتختم الأوراق بجملة واحدة ( ثبت بالبحث والتحرى بأن الفاعل هو الثورجى الهارب....) , تقدم الأوراق للمحاكمة . فى إحدى القضايا كان الحكم إعدام , فى قضية أخرى كان الحكم بالمؤبد مع الشغل وقضية ثالثة تكرر فيها المؤبد مع الشغل , أحكاماً أخرى تراوحت ما بين ثلاثة أعوام إلى خمسة عشر عاماً .
...........................................
للكاتب عصام سعد طريقة عرض متفردة في تناولاته ، فهو متنوع نتجدد في عروضه القصصية من حيث الاستهلال والبداية .ولا يكرر نفسه في نصوصه .
ولديه ملكة فريدة في الاستحواذ علي سمع وبصر وحس المتلقي عند قراءته لنصه ، فمرة يبدأ القصة من نهايتها ويبدأ السرد تنازليًا بشكل فانتازي صاخب أو هاديء حسب الحالة الخاصة بالنص مثل قصة (أصوات ) ..
فعند تناوله فاجأ المتلقي بالنهاية المتوقعة ثم بدأ يسرد دوافع تلك النهاية وأسبابها ، واهتم فيها بالشكل السردي الواعي المهتم بجزئيات الحالة في لغة رصينة وقوية وسريعة الأحداث ، وهذا سر من أسرار نجاحه في هذا الشكل الانتقائي الخاص بالنص امذكور وغيره .
أصوات
فى منتصف الليل . أختبأ عقرب الساعة خلف عقرب الدقائق . فأعلنت الساعة عن نفسها . بدقات بطيئة مملة . تبعها رنين الهاتف : آلو .. أنا فلانة يا دكتور . آسفة على الأزعاج . الألم يزداد . والدواء لم يأت بجديد ....
أجبتها بتلقائية لا أدرى من أين أتيت بها : ـ أستمرى فى تناوله , أحضرى فى ميعادك للأعادة .... لا داعى للقلق حالتك عادية جدا ً, أنهت المحادثه بالشكر .
--------
وتعد القصة العربية من أكثر الفنون الأدبية التصاقـًا بالمجتمع وبمثابة تأريخ لأحداث وأحوال المجتمعات الصغيرة داخل المجتمع الكبير وانعكاساتها علي الأفراد.
وعصام سعد حامد ، قاص وهبه الله ذائقة أدبية عالية ، وقدرة علي مراقبة الأحداث الصغيرة والكبيرة مما كوَّن لديه مخزونًا ذاتيًا لتناوله متي توافق مع قريحته وعاطفته لحظة نيته لبدء العرض الأدبي الخاص به --------
لا . يا ....... محترم
من لحظة ترحيله من سراى النيابة . بصحبة عسكرى بمشتملاته من سلاح وأساور ميرى .... ولا أثر له . لا هو ولا العسكرى الميرى .
حدث بعد ذلك عددا ً من الجرائم . ألصقها به أحد السادة المحترمين ......... , الذين يكرهون عبارة (الفاعل مجهول) . الجرائم تتم . ثم تفصل على قلب وقالب الهارب .... وتختم الأوراق بجملة واحدة ( ثبت بالبحث والتحرى بأن الفاعل هو الثورجى الهارب....) , تقدم الأوراق للمحاكمة . فى إحدى القضايا كان الحكم إعدام , فى قضية أخرى كان الحكم بالمؤبد مع الشغل وقضية ثالثة تكرر فيها المؤبد مع الشغل , أحكاماً أخرى تراوحت ما بين ثلاثة أعوام إلى خمسة عشر عاماً .
...........................................
للكاتب عصام سعد طريقة عرض متفردة في تناولاته ، فهو متنوع نتجدد في عروضه القصصية من حيث الاستهلال والبداية .ولا يكرر نفسه في نصوصه .
ولديه ملكة فريدة في الاستحواذ علي سمع وبصر وحس المتلقي عند قراءته لنصه ، فمرة يبدأ القصة من نهايتها ويبدأ السرد تنازليًا بشكل فانتازي صاخب أو هاديء حسب الحالة الخاصة بالنص مثل قصة (أصوات ) ..
فعند تناوله فاجأ المتلقي بالنهاية المتوقعة ثم بدأ يسرد دوافع تلك النهاية وأسبابها ، واهتم فيها بالشكل السردي الواعي المهتم بجزئيات الحالة في لغة رصينة وقوية وسريعة الأحداث ، وهذا سر من أسرار نجاحه في هذا الشكل الانتقائي الخاص بالنص امذكور وغيره .
أصوات
فى منتصف الليل . أختبأ عقرب الساعة خلف عقرب الدقائق . فأعلنت الساعة عن نفسها . بدقات بطيئة مملة . تبعها رنين الهاتف : آلو .. أنا فلانة يا دكتور . آسفة على الأزعاج . الألم يزداد . والدواء لم يأت بجديد ....
أجبتها بتلقائية لا أدرى من أين أتيت بها : ـ أستمرى فى تناوله , أحضرى فى ميعادك للأعادة .... لا داعى للقلق حالتك عادية جدا ً, أنهت المحادثه بالشكر .
--------
وأحيانًا يعرض النص بالشكل المألوف ولكنه يخبيء ما يدهش به القاريء او عقدة النص القصصي في الوسط ممهدًا لذلك بشكل جيد داعيًا المتلقي بأن يستمر معه من بداية النص لنهايته ، مثل نص : ( رغبة واردة )
إذا رغبت بإخلاص فى شىء ما . فإن العالم كله سيطاوعك لتحقيق رغبتك ))
هذه العبارة . كانت حاضرة فى ذهنى . وأنا فى طريقى إلى معلم اليوجا الذى أردت أن أتعلم على يديه فن ورياضة اليوجا والتأمل , عندما قابلته ..........
قا ل : هل ترغب حقا ً فى تعلم اليوجا والتأمل ؟
أجبت : نعم . أرغب .
قال : وهل تستطيع أن تتبع تعليماتى ؟
أجبت بإخلاص : نعم .
قال : لا تتسرع فى الرد .
قلت : بالعكس . أريد حقا ً تعلم اليوجا . فأنا أعشقها من كثرة ما قرأته عنها , كذلك مما سمعته عنك كخبيرلا مثيل له فى رياضة اليوجا . أرجوك أقبلنى تلميذا ً لك ...........
أجاب المعلم : لا . لا يمكننى أن أقبلك قبل أن تثبت لى مدى إيمانك برغبتك فى التعلم
حتى أتأكد وأطمئن على مقدرتك فى مواصلة الدرس والتعلم ......... .
قلت : أنا رهن إشارتك . إختبرنى كيفما تشاء .
صمت المعلم ....... , سألنى : ما هو أغلى شىء تمتلكه ؟.
قلت : قلم من الذهب الخالص مرصع بأحجار كريمه غالية الثمن جدا ً.
------------------
مستلهمًا هواجس ودوافع النفس الإنسانية ومؤكدًا لقيم العلم والتعلم والقيم الإنسانية ، ومتخذا من شكل (الحواديت) القديمة والأسطورية ربما ملهمًا لنصه وعرضه ، ونص ( تفاحة العائلة ) أيضاً .
- يهتم القاص : عصام سعد باللفظ البسيط القريب من المتلقي دون تفلسف أو غموض ، ولا يخلو نصه من عمق وبعد إنساني وأدبي ،
أما الإنساني، فبالتوجيه الإنساني للقيم والعمل والجد و الاجتهاد ، وبناء مجتمع متكامل متوافق ، كرسالة أدبية له يوجهها للقاريء بعناية وببساطة .
أما البعد الأدبي ، فهو أصولي المذهب الأدبي يهتم بالبناء القصصي الأصيل من حيث البداية والنهاية والوسط والسرد والأفكار والعرض واللغة واكتمال الصورة .
ومع هذا وذاك يرسم في كل نص لوحة خاصة بالنص من حيث الشخوص والأشكال الفنية .
وعصام سعد هاديء في نصوصه لا يحب الصخب الزائف فهو لا يعدد الشخوص في النصوص ، ولا يحشو نصه بما لا فائدة ولا ضرورة أدبية له .
---------------
في نصه انتحار روائي تتأكد من رؤية عصام سعد الرقابية للأحداث ، فهو مراقب جيد ، ويجيد التقاط أفكاره بذائقة أدبية عالية ، فقد سمع أو قرأ أو شاهد رواية لم تعجبه من حيث التناول الأدبي لكاتبها ، حتي وصل الجدل إلي ساحات القضاء ،ورغم سخونة الأحداث التي سردها الكاتب بشكل فانتازي راقي إلا أنه أرسي قيمة ودعا إلي الثبات علي المبدأ وأكد علي رسالة الأدب التي هي بناء المجتمعات وليس الدعوة إلي هدمها وتدمير مبادئها .
--------------
ومع كل نص نجد من الكاتب دعوة لقيمة إنسانية أ أخلاقية أو فنية ،
الصورة في نصوص عصام سعد لا تعتمد علي البناء التقليدى من أركانها الأساسية ذات الجمود الفني فحسب ككثير من الأدباء أو بعضهم ، ولكنها صورة مكتملة الحالة العرضية الحية من حركو وصوت وصورة ذاتية متشعبة في طول النص وعرضه وسطوره وحروفه كأنها برواز للوحة فنية مطعم بأجمل النقوش والرسوم والألوان
فهي تُحَس ولا يستجمع أجزاءها إلا المتخصص ولكن يحس بها المتلقي العادي بسهولة .
- وأزعم أن عصام سعد يمتلك قدرة سردية رائقة ومركزة لا تنفلت منه أبدًا لفرعيات لا ضرورة لها ، بل دائمًا في صلب النص وسياق الحالة .
- أما لغته ، فهو يختار اللفظ الأقرب للمتلقي ولا يتعمد الجري وراء غرائب اللغة ، أو يستهويه استخدامها ، بل يحرص علي اللفظ السليم القريب ليصل لقلب ووجدان المتلقي من أقصر الطرق ، بأسلوب رشيق وعبارة سلسة متوازنة .
- وعصام سعد متنوع الإنتاج والموضوعات والمضمون ، ولكنه في كل الأحوال رسم لنفسه شكلاً قصصيًا عرف باسمه ، لدرجة أن المتلقي بمجرد قراءة نص يعرفه من خلاله
-----
وعصام سعد ابن ديروط محافظة أسيوط ، متأثر بعمق ببيئته وملتصق بثقافته الجنوبية الوثيقة الصلة بالتراث العربي الأثير ، ويمتاز الجنوبيون بالصدق علو الهمة وإعلاء القيم والمباديء وتجنب الإسفاف .
وأخيرًا ، هذه رؤية بسيطة في أعمال الرائع المبدع :عصام سعد حامد ، وإن كانت لم تعطه إلا بعض حقه ، فما هي إلا إطلالة علي عالمه الأدبي الواسع ، وموهبته الفريدة ....
=========================
بقلم أسامة عبدالشكور القوصي ـ ـ ـ سلسلة ( ضي الحروف )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق