الشاعر حازم حسين |
الحلاج وابن تيمية.. ابن رشد والغزالى.. فرج فودة وسيد قطب
المُفكّر والمُكفِّر.. إعادة إنتاج الماضى واستهلاك مجازات النص.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المُفكّر والمُكفِّر.. إعادة إنتاج الماضى واستهلاك مجازات النص.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاريخ الصراعات والأزمات المفصلية فى العالم تاريخ فكرى فى وجهه الأعمق، والعقيدة إحدى أكبر مفجّرات هذا الصراع، العقيدة فى وجوهها العديدة، الفيزيقية والميتافيزيقية، ولهذا فإن تتبُّع موروث الأيديولوجيا - بالإنتاج الفكرى الكامل أو بالإنتاج الطقسى المتفرِّع على الدين - وعلى اختلاف التاريخ والجغرافيا، ينكأ جراحًا غائرة ربما ما زالت مفتوحة منذ عشرات القرون.
ربما برؤية جوهرية تنفذ إلى الماورائى والقار فى نخاع الواقع، لا يكون ثمة تجاوز لو حاولنا تعريف الصراع الراهن - سياسيًّا واجتماعيًّا وعقديًّا - باصطلاحات ودراما وشجارات القرون الثالث أو الرابع أو الخامس الهجرى، فالعودة على خط الزمن الأفقى لن تغيّر شيئًا ملحوظًا فى موضعنا الرأسى على خط التطور الفكرى والانطلاق العقلى والتفكير المغاير والمستجيب لآليات وتعقيدات الواقع والعصر، وهو الخط الصاعد ديناميكيًّا - وفق إيقاع الحياة والناس وصيرورة الاجتماع البشرى وتداخله - بما يحفظ للنص المركزى سلطته العقدية، ويقيم للبناء اللغوى وإمكاناته وطاقاته البيانية والمجازية وزنًا مؤثّرًا، يستجيب لاحتياجات الزمن ويسير بعينين مفتوحتين على طريق الاتصال الناضج بالحقائق والغايات.
وباعتباره صراعًا فكريًّا، وباعتبار اللغة وعاء الفكر الأساسى، فإنه يمكننا اعتباره صراعًا لغويًّا بالأساس، مَردُّه التباس المفاهيم وتداخلها، وأسلحته تضبيبها وتشويهها، فحينما يتم العمل على معيارية اللغة واصطلاحيتها وفق غائية موجّهة، تفقد العلامة اللغوية قدرتها على التّماس بإيقاع واحد مع جمهورها الواسع، ويصبح التأويل البلاغى والمجازى بابًا مفتوحًا على الهجوم والدفاع فى آن، وتصبح الغلبة لصاحب الضربة التى تنسجم وقناعات أهل اللغة فى مجموعهم العام - المستخدمين اليوميين لها - والتى تمّ ترسيخها وتكريسها فى وعيهم المحافظ، ولهذا فإن فريق التأسيس الفكرى لهذه الحرب المحافظة يكره المجاز ويمقت الانحراف اللغوى وما يحمله من إبداع وخيال وإدهاش، لذا سترى أدبيات هذا الفريق تحمل موقفًا متشدِّدًا من الشعر والتأويل اللغوى والجمالى والخروج على أطر النحت الدلالى المكرور.
وبمحاولة جادة لاستقراء تركيبة الصراع وفق هذا المنطق الفكرى - اللغوى، يمكننا أن نضع أيدينا على عشرات النماذج على امتداد الخارطة الزمنية والجغرافية للاجتماع البشرى، وبالطبع لجغرافيا الثقافة العربية والإسلامية بالتبعية، وملاحظة حجم انعكاسها على الراهن الثقافى والسياسى والعقدى، إلى حدّ يُتاخِم فكرة دائرية الزمن وإعادة إنتاج الماضى، عبر ميكانيزم عقلى وآليات بنائية فكرية ولغوية لم تنحرف عن مثيلاتها فى القرون الفائتة، وبالتالى فهى أداة حيّة لإعادة إنتاج مشكلات الثقافة وهِناتِها ومفارقاتها المحزنة، فلو اعتمدنا نماذج: الحلاج وابن تيمية، الغزالى وابن رشد، وسيد قطب وفرج فودة، كنماذج استقرائية لهذه الحالة من الالتباس المقصود، والتشويه العمدى، والحروب الفكرية اللغوية، سنجد الثنائيات الثلاثة قابلة للتلخيص تحت ثلاث ثنائيات لغوية مقابلة على الترتيب نفسه: التصوف والتقليد، الفلسفة واليقين، والعلمانية والحاكمية، وسنجد بالتتبع الفاحص أن الحرب كانت حربًا لغوية فى جانبها الأكبر على صعيد الثنائيات الثلاثة، وأن سلاح المحافظة العقدية والفكرية اعتمد التلبيس والتضبيب اللغوى وسيلة لحسم الصراع، فكان العمل على تشويه مفردات: التصوف والفلسفة والعلمانية، وطرح بدائل كلاسيكية مادية لها، تنسجم مع الذخيرة المعرفية التى أنتجتها قرون الفهم التقليدى، بما لا يجرح وعى الناس ولا يصدم مصكوكهم اللغوى الذى طالما استخدموه فى الكفر والإسلام على حدٍّ سواء: "هذا ما وجدنا عليه آباءنا".
فى هذه الحرب - المقدّسة لفقهاء التقليد - تتمّ مصادرة النص لصالح التفسير، والرؤيا لصالح الرؤية، وتتمّ مصادرة الفكر لصالح الكفر، فتصوف الحلاج الذى يردّ الكون لأصل واحد هو الله، وبالتالى يردّنا جميعًا إليه بالمحبة والتوحّد والحلول قيمة وفكرًا وروحًا، يصبح كفرًا بواحًا على مقياس ابن تيمية ومصادرته للنص ومجازاته، انتصارًا لفهم تقليدى يدشّن معمار الكهنوت اللغوى والعقدى المصادر للعقل، وتصبح فلسفة ابن رشد التى ترد الحقيقة إلى الإيمان والتسليم فى وجه، وإلى العقل والتمحيص فى وجوه أخرى تنتصر للفهم ولتحقيق حكمة الله فى التفكّر والتدبّر، والإيمان بسرمدية الكون، تصبح تهافتًا وخروجًا على معيارية الفهم المصادر للنص وطاقاته البلاغية أيضًا، وكذلك علمانية فرج فودة التى تنتصر للإنسان وقيم المواطنة تحت لواء سياسى يجمع ألوية عقدية مختلفة ومتمايزة، فهى على مقياس سيد قطب خروج على حاكمية الله، والتى تمثّل خروجًا على العقيدة، بما يُوجب إهدار الدم وقتال القائل بها والساكت عليها.
اعتمد الفقهاء المقلّدون - المُكفِّرون - آلية استثارة العامة والوعى الجمعى وفق فهم تقليدى، دشّنه فقهاء مقلِّدون أيضًا، وذلك عبر شحذ سلاح اللغة، ومصادرة النص ومجازاته، فى محاولة عميقة التأثير وربما القصد، لتسطيح العلامة اللغوية وتحييدها، لتصبح ثابتًا دلاليًّا فى الزمان، يمكن اعتماده كمرجعية عليا لإعادة إنتاج الماضى، وفق رغبة عميقة لدى قطاعات من العاملين على سوسيولوجيا العقيدة فى استدعاء القرون الأولى من عمر الفكرة، تحت ضغط إيمان مطلق بفضلها - الفكرى واللغوى بالأساس، باعتبار غياب معادلها الدرامى والحياتى عن مجال التلقى الحى والفاعل - أو تحت تأثير إحساس عميق بالعجز عن إطلاق العقل والخيال وتحرير النص ومجازاته، فالصورة على هذه الشاكلة أقرب إلى مُقعَدٍ يحاول إقعاد الأرض عن الدوران، ولا سبيل لخوض هذه الحرب وإعادة الأرض للدوران - تحقيقًا لحكمة الله فى الخلق - إلا عبر الانتصار للنص فى وجهه الأرحب، الانتصار للغة والمجاز والفلسفة والفن.
ربما برؤية جوهرية تنفذ إلى الماورائى والقار فى نخاع الواقع، لا يكون ثمة تجاوز لو حاولنا تعريف الصراع الراهن - سياسيًّا واجتماعيًّا وعقديًّا - باصطلاحات ودراما وشجارات القرون الثالث أو الرابع أو الخامس الهجرى، فالعودة على خط الزمن الأفقى لن تغيّر شيئًا ملحوظًا فى موضعنا الرأسى على خط التطور الفكرى والانطلاق العقلى والتفكير المغاير والمستجيب لآليات وتعقيدات الواقع والعصر، وهو الخط الصاعد ديناميكيًّا - وفق إيقاع الحياة والناس وصيرورة الاجتماع البشرى وتداخله - بما يحفظ للنص المركزى سلطته العقدية، ويقيم للبناء اللغوى وإمكاناته وطاقاته البيانية والمجازية وزنًا مؤثّرًا، يستجيب لاحتياجات الزمن ويسير بعينين مفتوحتين على طريق الاتصال الناضج بالحقائق والغايات.
وباعتباره صراعًا فكريًّا، وباعتبار اللغة وعاء الفكر الأساسى، فإنه يمكننا اعتباره صراعًا لغويًّا بالأساس، مَردُّه التباس المفاهيم وتداخلها، وأسلحته تضبيبها وتشويهها، فحينما يتم العمل على معيارية اللغة واصطلاحيتها وفق غائية موجّهة، تفقد العلامة اللغوية قدرتها على التّماس بإيقاع واحد مع جمهورها الواسع، ويصبح التأويل البلاغى والمجازى بابًا مفتوحًا على الهجوم والدفاع فى آن، وتصبح الغلبة لصاحب الضربة التى تنسجم وقناعات أهل اللغة فى مجموعهم العام - المستخدمين اليوميين لها - والتى تمّ ترسيخها وتكريسها فى وعيهم المحافظ، ولهذا فإن فريق التأسيس الفكرى لهذه الحرب المحافظة يكره المجاز ويمقت الانحراف اللغوى وما يحمله من إبداع وخيال وإدهاش، لذا سترى أدبيات هذا الفريق تحمل موقفًا متشدِّدًا من الشعر والتأويل اللغوى والجمالى والخروج على أطر النحت الدلالى المكرور.
وبمحاولة جادة لاستقراء تركيبة الصراع وفق هذا المنطق الفكرى - اللغوى، يمكننا أن نضع أيدينا على عشرات النماذج على امتداد الخارطة الزمنية والجغرافية للاجتماع البشرى، وبالطبع لجغرافيا الثقافة العربية والإسلامية بالتبعية، وملاحظة حجم انعكاسها على الراهن الثقافى والسياسى والعقدى، إلى حدّ يُتاخِم فكرة دائرية الزمن وإعادة إنتاج الماضى، عبر ميكانيزم عقلى وآليات بنائية فكرية ولغوية لم تنحرف عن مثيلاتها فى القرون الفائتة، وبالتالى فهى أداة حيّة لإعادة إنتاج مشكلات الثقافة وهِناتِها ومفارقاتها المحزنة، فلو اعتمدنا نماذج: الحلاج وابن تيمية، الغزالى وابن رشد، وسيد قطب وفرج فودة، كنماذج استقرائية لهذه الحالة من الالتباس المقصود، والتشويه العمدى، والحروب الفكرية اللغوية، سنجد الثنائيات الثلاثة قابلة للتلخيص تحت ثلاث ثنائيات لغوية مقابلة على الترتيب نفسه: التصوف والتقليد، الفلسفة واليقين، والعلمانية والحاكمية، وسنجد بالتتبع الفاحص أن الحرب كانت حربًا لغوية فى جانبها الأكبر على صعيد الثنائيات الثلاثة، وأن سلاح المحافظة العقدية والفكرية اعتمد التلبيس والتضبيب اللغوى وسيلة لحسم الصراع، فكان العمل على تشويه مفردات: التصوف والفلسفة والعلمانية، وطرح بدائل كلاسيكية مادية لها، تنسجم مع الذخيرة المعرفية التى أنتجتها قرون الفهم التقليدى، بما لا يجرح وعى الناس ولا يصدم مصكوكهم اللغوى الذى طالما استخدموه فى الكفر والإسلام على حدٍّ سواء: "هذا ما وجدنا عليه آباءنا".
فى هذه الحرب - المقدّسة لفقهاء التقليد - تتمّ مصادرة النص لصالح التفسير، والرؤيا لصالح الرؤية، وتتمّ مصادرة الفكر لصالح الكفر، فتصوف الحلاج الذى يردّ الكون لأصل واحد هو الله، وبالتالى يردّنا جميعًا إليه بالمحبة والتوحّد والحلول قيمة وفكرًا وروحًا، يصبح كفرًا بواحًا على مقياس ابن تيمية ومصادرته للنص ومجازاته، انتصارًا لفهم تقليدى يدشّن معمار الكهنوت اللغوى والعقدى المصادر للعقل، وتصبح فلسفة ابن رشد التى ترد الحقيقة إلى الإيمان والتسليم فى وجه، وإلى العقل والتمحيص فى وجوه أخرى تنتصر للفهم ولتحقيق حكمة الله فى التفكّر والتدبّر، والإيمان بسرمدية الكون، تصبح تهافتًا وخروجًا على معيارية الفهم المصادر للنص وطاقاته البلاغية أيضًا، وكذلك علمانية فرج فودة التى تنتصر للإنسان وقيم المواطنة تحت لواء سياسى يجمع ألوية عقدية مختلفة ومتمايزة، فهى على مقياس سيد قطب خروج على حاكمية الله، والتى تمثّل خروجًا على العقيدة، بما يُوجب إهدار الدم وقتال القائل بها والساكت عليها.
اعتمد الفقهاء المقلّدون - المُكفِّرون - آلية استثارة العامة والوعى الجمعى وفق فهم تقليدى، دشّنه فقهاء مقلِّدون أيضًا، وذلك عبر شحذ سلاح اللغة، ومصادرة النص ومجازاته، فى محاولة عميقة التأثير وربما القصد، لتسطيح العلامة اللغوية وتحييدها، لتصبح ثابتًا دلاليًّا فى الزمان، يمكن اعتماده كمرجعية عليا لإعادة إنتاج الماضى، وفق رغبة عميقة لدى قطاعات من العاملين على سوسيولوجيا العقيدة فى استدعاء القرون الأولى من عمر الفكرة، تحت ضغط إيمان مطلق بفضلها - الفكرى واللغوى بالأساس، باعتبار غياب معادلها الدرامى والحياتى عن مجال التلقى الحى والفاعل - أو تحت تأثير إحساس عميق بالعجز عن إطلاق العقل والخيال وتحرير النص ومجازاته، فالصورة على هذه الشاكلة أقرب إلى مُقعَدٍ يحاول إقعاد الأرض عن الدوران، ولا سبيل لخوض هذه الحرب وإعادة الأرض للدوران - تحقيقًا لحكمة الله فى الخلق - إلا عبر الانتصار للنص فى وجهه الأرحب، الانتصار للغة والمجاز والفلسفة والفن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق