قراءة في ديوان (البنت النيلية والولد العاشق) للشاعر عزت الطيري الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب .. للدكتور : محمد ربيع هاشم
الشاعر عزت الطيري من الشعراء القلائل الذين يعلمون جيدا حدودهم الشعرية ، ويملك القدرة الهائلة على تطوير قصيدته التطوير القائم على المواءمة بين لحظة الكتابة المتداعية والتدخل الذهني الموظف جيدا ـ بما يملكه من تراكمات ثقافية وخبرات إبداعية ـ لتوجيه هذا التطور توجيها مسئولا يميزه كثيرا عن غيره من الشعراء الذين يتعمدون ذلك بدون هذا الاتزان وتلك المواءمة ..
وفي هذا الديوان (البنت النيلية والولد العاشق) وهو آخر إصدارات الشاعر ويحتوي على سبع وعشرين قصيدة نلمح عدة ظواهر فنية يحلق بها الشاعر متفردا مقدما عملا متميزا جديدا يضاف إلى رصيده الإبداعي الهائل ، ويقدم بخبرة ونضج تصل حد الإدهاش أحيانا تجاوزا لتراثه الشعري بأكمله ، ولو أردنا رصد عالم عزت الطيري الشعري لوجدنا بعض الملامح الفنية التي تخلص في :
أولا : رؤية ثابتة للشعر والكتابة وهي قدرة القصيدة التفعيلية على صنع نجاحات متجاوزه ، وقفزات هائلة ، واستيعاب لكل ما تدعو له القصيدة النثرية دون نزوع لتجاوز قواعد متوراثة أو هدم أسوار لمن يعتبرها أسوارا وقيودا.
ثانيا : يعتمد عزت الطيري على قاموس لغوي متفرد لا يغلو ولا يفرط ، هو يكتب جامعا بين لغة سهلة بسيطة لكنها تجمع حولها دلالات متشعبة وتنحو أحيانا نحو كتابة تعتمد على سيميائية خاصة تطرق إشارات ورموزا تحتاج إلى فك شفراتها والدخول في أعماق الشاعر نفسه للوصول إليها ، فلم يكن من السهل أحيانا الوصول لأن داخله شاعر عميق متمكن حاذق يعي جيدا كيفية التنقل بأدواته الشعرية بحرفية عالية وتداع مبهر .
ثالثا : تحمل قصائد عزت الطيري أحيانا نوعا من الغنائية الشفيفة المحببة ، وتجد بين سطوره ديالوجات داخلية ، ويميل في أحيان كثيرة نحو استخدام إيقاعات أخرى غير الإيقاعات الصوتية المتعارف عليها بأوزان الخليل ، فينوع في تقفيته الداخلية ، ويستخدم أحيانا السجع والجناس كاملا وناقصا ليصلنا في النهاية إلى حركة عنيفة داخل النص تملأه حيوية وقوة
وفي ديوانه (البنت النيلية والولد العاشق) يظهر ملمح غاية في الأهمية وهو القدرة المذهلة على كتابة النص القصير المكثف المقسم إلى مقاطع قصيرة مرقمة أو معنونة ، وهذه القصائد التي يجمعها عنوان واحد هي في رأيي تلقائية الوعي ، وفلسفة اللاوعي ، فهي تخرج شاهقة وممتلئة بدلالاتٍ متعددة ومتجاوزة مساحتها الشعرية معتمدة على لغةٍ صافية بسيطة ، ومساحة التدخل الذهني داخل قصائد الديوان كانت محكومة بلحظتها الكتابية المتداعية فلم نر إقحاما ولا تدخلا يخرجها عن مسارها الكتابي اللحظي فضلا عن الصور الشعرية الجزئية التي تتراوح بين الطزاجة والدهشة ، وتكثيفها في نصوصٍ قصيرة يربطها خيط موحد على مستوى الصورة الكلية للقصيدة يزيدها نفاذا داخل النفس والروح .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق