معوض يوسف يكتب :- جماليه العنوان ومضمون النص "دراسه في قصيده "كهل في مقتبل العمر للشاعر / صبري رضوان
جماليه العنوان ومضمون النص"دراسه في قصيده "كهل في مقتبل العمرللشاعر / صبري رضوان
"معوض يوسف يوسف""نادي الأدب-قصر ثقافه الفيوم"
كهل في مقتبل العمر"هي احدي قصائد ديوان "أزقه تشتهي قطعه سكر"للشاعر صبري رضوان ولعل اول ما يستوقف القارئ في هذه القصيده هو تلك المفارقه التي يقوم عليها العنوان فمقتبل العمر يشير الي مرحله عمريه في حياه الانسان وهي مرحله الشباب بكل ما ترمز اليه من النشاط والحيويه والفعل والقدره علي الاخصاب ,أما الكهوله فانها تشير - علي العكس من ذلك الي مرحله متأخره في حياه الانسان وبالتالي فان دال "الكهوله" يحمل دلاله مغايره ومناقضه تماما لما تحمله مرحله الشباب من دلاله انها دلاله العجز والضعف والركون الي الراحه وعدم القدره علي العطاء يا لها من مفارقه ذهنيه قد اكسبت العنوان قيمه ايحائيه ساهمت في الكشف عن العالم النفسي للشاعر ومدي ما يعانيه من تشظي واذا كان العنوان كما يري اساتذه النقد الادبي "ليس زائده لغويه"وانما هو يمثل "بطاقه هويه"او "عتبه من عتبات النص"التي توصل الي المضمون وهو ما يعني ان هناك علاقه تريط بين العنوان والنص..هنا يصبح "العنوان اعلان والنص يقوم بدور المفسر لهذا الاعلان مما لا يمكن للعنوان ان يقوم به نظرا لتركيبه الفقير اذ لا يتعدي حدود الجمله في الأغلب"(1) ونحن عندما ندخل الي عالم النص ونسبح في اجوائه يتبين لنا ان كل جزئيه من جزئياته تلقي بظلالها علي هذا العنوان فمنذ السطور الأولي في القصيده.
مللت ضحكتها المريبه
هي لا تأخذ بيدي نحو شئ لافت
لأنكم لستم مهيأين لفعل شئ يخصني.
يخيل اليك انك امام شاعر يتبرم من حبيبته وينحي عليها باللائمه لأنه يدرك تماما أنه لا أحد غيرها في استطاعته أن ينقذه مما هو فيه فهذه الحبيبه في نظره وكما يقول عنها هي الوحيده القادره.
علي انتشال طلائها
من اظافري
وانتشال معطفها من روحي
غير انها لم تفعل شيئا من اجله ولذا نري شاعرنا يمضي في شحن العبارات بمشاعر الالم والشكوي ممكن يلاقيه علي يد حبيبته من تصرفات تتسم بالعدوانيه تنزع من داخله الاحساس بالامن والطمأنينه وتشعره بالوحده علي الرغم من ملازمته لها في سهراتها فقد اصبحت هذه الحبيبه بالنسبه له
كتاب يستلب العذوبه
ويقتنص الأناشيد من عودي
أنا بينها كل ليله وحيد
تمارس افعالا فاضحه معي
كأن تطلق اعيره في فراشي
اذ تتعانق كل هذه العبارات الوارده في هذا المقتبس"يستلب العذوبه"و"يقتنص الأناشيد"و"تمارس افعالا فاضحه"و"تطلق اعيره"بما تحمله من دلالات سلبيه لتصب في اتجاه واحد وهو رسم صوره توحي بالقتل والقهر والاقصاء لتلقي بظلالها في النهايه علي عنوان القصيده كأن الشاعر اراد هنا ان يرسل للأخرن برساله مفادها أن مثل هذه الممارسات التي تتعرض لها الذات الأنسانيه الشابه كفيله بأ تطحنها وتذهب بقواها وتصيبها مبكرا بالكهوله والشيخوخه
,بنيه التكرار,
"
ان البحث عن مدي العلاقه التي تربط بين العنوان ومضمون النص الشعري يدفعنا حتما الي الذهاب الي احدي البنيات الجماليه التي يأخذنا اليها الشاعر صبري رضوان وهي بنيه التكرار
يقول الشاعر عن حبيبته
ثم تترك لي فوق الوساده
قبرا بحجم كفيها
وكهلا في مقتبل العمر
لا يستطيع ان يقاوم غوايتها
لا يستطيع ان يخدعها
لايستطيع ان يرجمها بقبله
وأود ان اشير هنا الي انه قد سبق لي ان اعتمدت علي هذا المقطع في دراستي السابقه لأشير من خلاله الي حضور الذات الشاعره في حالات الضعف داخل الديوان ولكنني الأن انقل هذا المقتبس ذاته لأتحدث من خلاله ايضا عن جماليه التكرار بما يلعبه من دور فاعل في الكشف عن علاقه العنوان بالمضمون وقد يري البعض هنا انه كان بأمكان الشاعر ان يختصر هذا التكرار في سطر واحد بدلا من ثلاثه سطور فيقول مثلا
"لا يستطيع ان يقاوم غوايتها ويخدعها ويرجمها بقبله"
وفي نظري لو ان الشاعر فعلها لأطاح بجماليه هذا التكرار اذ ان هذا التكرار حسبما اراده الشاعر لم يصور فحسب حاله العجز التي وصل اليها وانما كرس ايضا لهذا الضعف والعجز من خلال هذه الافعال الثلاثه"يقاوم,يخدعها,يرجمها"التي جاءت جميعها في صيغه المضارع وجاء كل فعل منها وهذا هو المهم منفصلا عن الفعلين الاخرين داخل سطر شعري واحد مستقل بذاته وهو ما يفيد ان الشاعر لم تصبه الكهوله والشيخوخه فجأه وانما حدث ذلك بعد ان قام بأختبار قدرته علي المواجههوهو لم يقمبأختبار قدرته هذه دفعه واحده وانما جاء ذلك علي مراحل فقد لجأ اولا الي المقاومه بكل ما ينطوي عليه فعل المقاومه من استخدام للعنف المادي ولما لم يستطع لجأ الي وسيله اخري لا تتطلب منه جهدا بدنيا ولكنها تتطلب قدرا من الدهاء والذكاء والحيله وهي "الخداع"ولما لم يستطع لجأ الي الرجم بقبله وهذا هو اضعف الايمان غير انه لم يقدر ايضا وهو ما يعني في النهايه ان حاله الضعف والعجز ظلت تلازم الشاعر وهو لم يزل في ريعان الشباب حتي اصابته بالكهوله والضعف.
كذلك لعب تكرار العباره وتكرار المفرده علي امتداد القصيده دورا في تشكيل الرؤيه الشعريه فقد كرر الشاعر عباره "مللت ضحكتها المريبه"ثلاث مرات وكرر مفرده "مللت"اربع مرات جاءت هكذا علي التوالي "مللت نبيذها"و"مللت هضابها التي تقتلع الأناناث"و"مللت بياضها القاتم"و"مللت انحلالها اليومي"وهو كما نري تكرار يتسم بالتنوع مما ساهم ليس فقد في تكثيف حاله الملل وانتشاره داخل جزئيات القصيده وانما ايضا في نقل الشعور بهذا الملل الي وجدان القارئ.
المرأه/الحبيبه-المرأه/الوطن
تتردد في قصيده "كهل في مقتبل العمر"عبارات والفاظ كثيره تحيل علي المرأه/الحبيبه علي نحو ما نجد في قوله "تمارس افعالا فاضحه معي"و"تترك لي فوق الوساده"و"لم تعد تداعب اطفالها"ز"أو تجهز لهم الحليب"و"ضحكتها",طلائها معطفها,نبيذها,سهراتها,خطواتها,بياضها,ولكن هناك ايضا من الدوال ما يحيل علي الوطن الشوارع,هضابها,تصنع معتقلا,مقابر جماعيه,تسك عملتها,مستشفي الاورام,مدرجات الملاعب,قطار,مدينه,الأزقه.اذا لقد حشد الشاعر القصيده بالعديد من المفردات والعبارات التي تحمل ايحاءات رمزيه تعطي للقارئ الحق في تأويل القصيده وتفسير اي جزء من جزئياتها علي النحو الذي يراه ولعل الجزء الأخير من القصيده يكثف من تلك الرمزيه.يقول الشاعر:
مللت انحلالها اليومي
لم يعد يعنيها غير هؤلاء
الذين يتسلقون وجوهنا
ويفكرون في طرق مشروعه
ومقنعه لتهجيرنا جميعا
الي مستشفي الأورام
الي مدرجات الملاعب
تشجيعا للفريق الواحد
والمدرب الوحيد
واللاعب الوحيد
بتعصب واضح
بعد كل هدف مصنوع
من تسلل واضح وعرقله واضحه.
في هذا المقتبس يخرج الشاعر بدلاله المرأه الي دلاله رمزيه موحيه من خلال مفردات الفريق,المدرجات,الملاعب,المدرب,هدف,تشجيع,عرقله,تسلل..التي تستدعي احدي الألعاب الرياضيه المختلفه ولتكن مثلا لعبه"كره القدم"لا ليحدثنا عن"ماتش كوره"وانما لعمل اسقاطات علي لعبه اخري هي لعبه "نظام الحكم"في الدوله ليوجه من خلالها الهجوم والانتقادات الازعه لهذا النظام المستبد الذي يقوم علي مبدأ اقصاء الجميع فيما عدا رجل واحد يختذل الدوله كلها في شخصه وهو الحاكم القابع علي عرش هذا النظام ليصبح هو اللاعب الوحيد الذي ينفرد بالسلطه ويحرك رموز نظامه الذين يدينون له بالولاء تجاه بناء المعتقلات والمقابر الجماعيه لمعارضيه ومن يتظاهرون ضده من اجل الدفاع عن حقوقهم في الحريه والعيش الكريم بينما يقوم هؤلاء الطغاه بقتل الطفوله واهمال حق الاطفال في الرعايه وكذلك اهمال حق الشعب في العلاج ليتركونه نهبا للأمراض القاتله وعلي الرغم من ذلك نري هؤلاء الطغاه يدفعون الشعب الي التصفيق لهذا الحاكم الطاغيه المتسلط ويطالبونه بعدم الخروج علي طاعته.كذلك يفضح الشاعر كذب هذا الحاكم هو وحاشيته ورموز نظامه فيما يزعمون من انجازات حققوها بطرق مشروعه وهي في الحقيقه انجازات محاطه بالشبهات لأن هذه الانجازات المزعومه لا تأتي الي من احد طريقين اما بأتباع اساليب ملتويه وغير مشروعه تقوم علي المراوغه والخداع والتسلل من الابواب الخلفيه واما انها تأتي علي حساب الشرفاء بعد عرقلتهم وابعادهم عن اماكنهم.
وهكذا استطاع الشاعر صبري رضوان ان يمزج بين المرأه والوطن في صوره شعريه ذات رمزيه شفافه وهكذا جاء الوطن عنده في هذا النص يحمل دلاله تحيل علي نظام الحكم في الدوله وهو نظام استبدادي يلاقي الشاعر علي ايدي رموزه القهر والهوان الذي يتحول تحت وطأته الي كهل وهو في مقتبل العمر.
"معوض يوسف يوسف"
"نادي الأدب-قصر ثقافه الفيوم"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق