ما تحتاجه الثورة المصرية: عقل الكتاب والمثقفين وما يحتاجه الكتاب: "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية"!!
6000 كاتب ومثقف أغلبهم يعانون الفقر في دولة تدفع ملايينها للاعبي الكرة!!
بقلم / أحمد طوسون
مر عام على الثورة.. وبعد أيام قلائل سيحتفل الشعب المصري بمرور عام على ثورته الأكبر عبر التاريخ دون أن يكون على يقين من نجاح ثورته..
سيهلل تيار الإسلام السياسي فرحا بحصد مقاعد البرلمان وسيخرج إلى الشوارع حتى لا يستأثر بها الشباب الذي يستشعر أن ثورته سرقت منه.. وسيخرج الشباب الثائر إلى الشوارع مطالبا بإسقاط العسكر وتسليم السلطة إلى المدنيين غير عابئ بالخطوات التي تم اتخاذها ويتم استكمالها لنقل السلطة إلى سلطة شرعية منتخبة، لأن هذه الخطوات لم تعبأ به ودهسته في طريقها رغم دماء الشهداء التي لم تبرد ، فزجت بهم خلف قضبان السجون ولم ولن يجدوا لهم مكانا في مقاعد البرلمان أو كراسي الحكومة أو مقعد الرئاسة الذي ينتظر فرعونه الجديد!
وسيخرج الطرف الثالث الخفي كعادته محاولا إثارة الفوضى هنا أو هناك وسط دعوات مغالية من بعض القوى بإسقاط الدولة أو التطرف في الأفكار إلى حدها المهلك وستظل القوى السياسية التقليدية والجديدة تغازل مقاعد شرعية الصندوق تارة وتغازل شرعية الشارع تارة أخرى في انتظار أن تربح في كلا الشرعيتين، بينما المجلس العسكري سيقف في خلفية المشهد مراقبا بخطوات السلحفاة ردود الأفعال هنا وهناك وكأنه ليس طرفا أصيلا في كل ما يحدث بوعي أو بدون وعي بحكم إدارته للمرحلة الانتقالية الشائكة.
وسيخرج مقدموا برامج التوك شو و الساسة والناشطون على شاشات الفضائيات يلهبون الشارع ويتلاعبون بالمشاعر ويتغنون بأحلام البسطاء الذين لا يجدون ثمن علاج مرضاهم ولا عشاء أبنائهم أو مصاريف مدارسهم وفي النهاية يقبضون رواتبهم بالآلاف والملايين!!
الثورة في مصر خطت خطوتها الأولى حين أسقطت رأس النظام في 11 فبراير الماضي.. لكن أي ثورة لا تحقق نجاحا إلا ببناء نظامها الجديد.
وما تواجهه الثورة المصرية من صعوبات يرجع في نظري لغياب المرجعية الفكرية الواضحة التي يجب أن تصاحب أي ثورة وتكون المحدد لمسارها والحامي لها من أطماع وانتهازية القوى السياسية بكافة تنوعاتها الإسلامية والليبرالية والاشتراكية.. فالساسة عبر التاريخ انتهازيون، بينما الثورة حلم يحلق بنا في سماء المستقبل.. والثوار هم أبطال من خيال لا يتوقفون عن الأحلام بكل مثالياتها بينما الساسة يهرعون إلى حصد الغنائم!
ويخطئ من يعتقد أن بناء نظام سياسي جديد خلفا للنظام الذي أسقطته الثورة دليل على نجاح الثورة.. على العكس من ذلك قد يكون النظام الجديد دليلا على وأد الثورة والعودة بنا إلى نقطة الصفر إذا لم يكن النظام الجديد متوافقا مع مرجعية الثورة الفكرية والثقافية.
وحتى لا يبدو كلامي متناقضا حين تحدثت عن غياب المرجعية الفكرية والثقافية للثورة كنت أشير إلى التنظير لها من جانب الكتاب والمثقفين لكن هذه المرجعية تبدت واضحة في الوعي الجمعي للشعب المصري منذ اللحظة الأولى لخروجه إلى الميادين في 25 يناير الماضي حين لخصها في شعار"عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية"، ذلك الشعار الذي يلخص موضع الخلل في الدور الثقافي لكتاب ومثقفي مصر في غالبيتهم، فهؤلاء الذين يفترض أن يكونوا عقل الأمة وضميرها أكثر فئات المجتمع تعرضا للظلم الاجتماعي ومعاناة، والكثيرون منهم بلا دخل وبلا غطاء تأميني يكفل لهم نظاما علاجيا لائقا وحياة كريمة تضمن لهم تفرغهم للإبداع والكتابة.. بينما تنتهك حقوق ملكيتهم الفكرية وتباع كتبهم وإصداراتهم هنا وهناك.
وإذا أردنا لهذه الأمة التقدم والرقي والسير في طريق ركب الحضارة لابد أن تنظر الدولة بجدية في حال الثقافة وأن تجد نظاما يضمن دخلا شهريا للكتاب والأدباء ( يقدر تقريبا عدد أعضاء اتحاد كتاب مصر 3000 عضو ومثلهم بحد أقصى خارج الاتحاد) عن طريق ميزانيات إدارة المكتبات بوزارة التربية والتعليم التي تذهب "سبوبة"لبعض الناشرين كل عام دون أن يستفيد منها الكتاب وكذلك بمساهمة واضحة من وزارة الثقافة والضمان الاجتماعي والشباب والرياضة من خلال دراسات لمتخصصين بحسب إنتاج الكتاب الثقافي والفكري وأن تخصص نسب من عقود لاعبي الكرة التي تنفق ملايين ومليارات الجنيهات من أموال الشعب لصالح العلم والثقافة فلن ينصلح حال هذه الأمة إلا إذا طال شعار الثورة "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية" عقل هذه الأمة وضميرها من الكتاب والمثقفين والعلماء.
لأننا لا نريد ديكتاتورية جديدة تحت شعار ديني يبتز مشاعر البسطاء، أو شعار انتهازية سياسية ما.. فالشعب المصري متدين بطبيعته وأشد ما يحتاجه هو الدولة القائمة على العدل والمساواة وسلطة القانون.. الدولة التي تقدم العالم على لاعب الكرة ( وهذا ليس تقليلا من الرياضة ودورها)، وتقدم العقل على الشعوذة والدجل، وتحفظ لهذا الوطن خصوصيته القائمة على التسامح والتعدد والوسطية الدينية المتأصلة في وجدان وضمير المواطنين.. تحتاج الثورة قبل أن نحتفل بذكراها الأولى وقبل أن نقع في المتاهة أن تلتفت إلى مرجعيتها الفكرية التي قامت عليها من أجل الخبز والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية ومن أجل عقل متحرر من القيود يدفع بنا إلى الأمام لنقارع المستقبل بخطى وثابة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق