ناصر العزبي |
الحديث عن مسرح الثقافة الجماهيرية بما له وما عليه ، بين الجمود والتطوير ، بين غايته وما تحقق منها ، حاضره ومستقبله ، لا يمكن وأن يكون على عجالة ، بل هو أمر يلزمه مساحة حتى يتم تغطية كافة الجوانب المتعلقة به بين ميزانيات الإنتاج وبين آليات التنفيذ ، وبين طبيعته وخصوصيته ، والمنتج بين الكم والكيف ، وهيكلة إدارة المسرح ، كل ذلك بين التصورات والاقتراحات المستقبلية هو موضوع تلك المساحة التي تأتي في حلقات ، نتناول عي كل حلقة أمر منفصل متصل بالكل مع كل الحلقات .
** ( 1 )
قناعة الدولة وفلسفة المسرح
قبل البداية علينا الوقوف أولاً على مدى إيمان الدولة بأهمية الثقافة وكذا قناعتها بأهمية دورها في التنمية البشرية للمجتمع وأثرها على المستوى العام وهو الأمر الذي يترتب عليه وضع المخصصات المالية في موازنتها وفقا للأهمية في الأولويات .
وعلى نفس النهج تتحدد مخصصات المسرح من موازنة الثقافة ووفقاً لرؤية الوزارة ودرجة قناعتها بأهمية المسرح و أثره ، وهذا بالنسبة للمسرح عامة ، وما يهمنا هنا ـ بشكل خاص ـ هو مدى قناعة وزارة الدولة بالثقافة الجماهيرية ، أو على الأدق بمسرح الثقافة الجماهيرية الذي ينتشر في كافة أقاليم مصر . إذ يتحدد وفقا لهذه القناعة جدوى تناولنا لهذا الموضوع ومن ثم إمكانية تحقيق المنشود .
ومن المؤكد أنه كانت هناك قناعة لدى الدولة أنشئت على أساسها الثقافة الجماهيرية ومن ثم المسرح في الأقاليم ، ونشير هنا إلى أن فلسفة إنشائها وأهدافها ـ التي وضعت منذ حوالى ستين عاماً ـ قد حان الأوان لإعادة النظر فيها وإعادة صياغتها ، فاللوائح والقواعد التي وضعتها قيادات في مراحل سالفة من المؤكد تختلف عن تلك التي تضعها قيادات في مرحلة لاحقة حيث اختلاف كل مرحلة عن الأخرى ، وفقا لما حدث من تغيرات شملت كافة المستويات محلياً وعالمياً ، ووفقاً ما يتواكب مع الثورة المصرية والثورات العربية التي تحياها المنطقة ، ووفقاً لتوحش غول العولمة المهرول في زحفه والذي لن يتهاون عن ابتلاع كل ما أمامه في ظل الثورة التكنولوجية هائلة التي يستغلها لخدمته . مع الآخذ في الاعتبار بأن الأهداف المرجوَّة من الثقافة الجماهيرية في بداياتها لا بد وأن تتطور بعد انصرام أكثر من نصف قرن حيث أن المنشود من طفل وليد ضعيف البنية غير المنشود من شاب يافع له كيانه .
.. نحن لا نملك إلا الحلم والأمل في إحداث تغيير من أجل النهوض بمسرح الثقافة الجماهيرية ، وإنَّا في تلك المرة نلمح حسن النوايا لتحقيق هذا الأمل ، إذن فالتغيير واقع وليس حلماً ، واقع تفرضه الظروف ولكن في ذات الوقت سيواجه بمقاومة المستفيدين من استمرار الوضع على ما هو عليه ، لذلك فإن النوايا لا تكفي بل لا بد من العمل من أجل تحقيق التغيير .
وعلى هذا نقف على أمور ثلاثة أساسية :
أولها ؛ ضرورة معرفة مدى قناعة الدولة بالثقافة الجماهيرية ومدى تناسب تلك القناعة مع طموح فناني الجماهير .
ثانيها ؛ ضرورة إعادة النظر في فلسفة الثقافة الجماهيرية والوقوف على فلسفة محددة لمسرحها تتفق ومتطلبات طبيعة هذه المرحلة في تلك الفترة الزمنية الصعبة
ثالثها ؛ ضرورة النظر بموضوعية إلى حجم تلك الإدارة المنوطة بتحقيق حلم الجماهير ومكانتها بين أجهزة وزارة الثقافة .
ولنتأمل ؛
إن المعني بالتطوير والتغيير للمسرح في أقاليم مصر ليس إلا إدارة عامة تابعة لإدارة مركزية منبثقة عن هيئة استثنائية .. !! وعليه فإن المسرح نشاط ضمن عدة أنشطة ثقافية وفنية تهتم بها الهيئة ، فلماذا لا تكون هناك هيئة مستقلة للمسرح في أقاليم مصر شأنها شأن البيت الفني للمسرح حتى تتناسب مع عظمة وطموح مسرح الأقاليم .
** ( 2 ) خصوصية مسرح الأقاليم
أعود بالذاكرة إلى المؤتمر العلمي للمسرح المصري في الأقاليم في دورته الأولى بالقناطر الخيرية 2006 حيث قدمت " في 10 صفحات " دراسة عنوانها ( المسرح في أقاليم مصر ـ رؤية وتصورات ـ ) وحضرها حشد كبير من المهتمين بالمسرح ، أوضحت فيها سلبيات مسرح الثقافة الجماهيرية واقتراحات لإصلاحها ، ولا أدعي بذلك لنفسي السبق بل سبقني إليه ذلك عشرات المتخصصين ومئات من الفنانين ، وما أقصده ؛ أن أوضح أن السلبيات ليست خافية و ليست اختراع أو اكتشاف جديد ، بل أن بعضها صار مرضاً مزمناً ولكن ـ وذلك هو الأهم ـ هل هناك استعداد حقيقي لتعديل المسار وإحداث التغيير والتطوير ؟!
وبالطبع لسنا بصدد الحديث عن الإيجابيات ؛ بقدر ما نسعى لتسليط الضوء على السلبيات ، حيث أن وجود نتائج إيجابية محدودة يجب ألا تعمينا عن الواقع ، فهي ليست دليل عدم وجود خلل ، وإنما هي استثناءات تنسب لجهد وإبداع مواهب فذة .
ومن العبث أن نضع أيدينا على أذاننا مدعين عدم وجود سلبيات ، أو أن ندفن رؤؤسنا في الرمال ونقول أننا لا نرى مسرح الثقافة الجماهيرية يعاني أزمة ..!
أيضاً ما نطرحه هنا لا يجب أن يفهم منه التحامل على شخص بعينه أو جهة بعينها ، وإنما هي نظرة للحاضر تأمل مستقبل أفضل ، فهي إذن رؤيا مستقبلية تهدف التغيير من أجل الأفضل
عروض الثقافة الجماهيرية لها خصوصيتها ، فهي تختلف عن عروض هيئة المسرح حيث أن لكل منهما فلسفتها التي تختلف عن الأخرى ، فمسرح الثقافة الجماهيرية منوط بوظيفة نشر رسالة مسرحية ـ مباشرة ـ أبعد أثراً في المساحة الأكبر التي تحوي الجماهير المصرية ، رسالة لا تتوقف على مجرد الترفيه عنهم وإنما منوطة بحمل لواء التثقيف ورفع درجة الوعي والرقي بالذوق العام ، وهذا كله إلى جانب دوره الفعال والمثمر في احتضان الموهوبين ممن لديهم ملكات الخلق والابتكار والإبداع ليواصل دوره في اكتشاف الفنانين الحقيقيين وتسليط الضوء عليهم . وهو الدور الذي لعبه ـ مسرح الأقاليم ـ بنجاح فقدم للحركة الفنية أسماء كبيرة أخذت صدارتها في المشهد العام ، ولا يختلف أحد من المتابعين على الدور الهام لمسرح الثقافة الجماهيرية في توسيع قاعدة المسرحيين من الممارسين للعبة المسرحية فكان لذلك أثره في توالد أجيال جديدة وكذلك وجود مسرح مصري حقيقي بديلاً عن مسرح العاصمة بما جعلنا نتخذ منه خطاً دفاعياً فعلياً للمسرح المصري .
لم يسلم مسرح الأقاليم من تداعيات التجريبي ، إذ أنه ـ حسب التوجه الإعلامي ـ انساق الجميع من فنانيه وراء محاكاة عروض التجريبي بغية المشاركة الدولية وفي ظل الغياب النقدي المؤثر ، حيث انكبت بعض عروضه للأخذ بالتعبير الحركي والتشكيل بالجسد دون التركيز على الخصوصية التي كانت تميزه .
وان كانت هناك مساحة من الإبداع
ولنتأمل ؛
ماذا لو حافظ مسرح الأقاليم على خصوصيته دون الهرولة لمحاكاته ، ماذا لو اهتمت آليات الدولة بمسرحنا المصري وشجعت عليه وأقامت المهرجانات التي تحفز على التسابق به من أجل الحفاظ ـ والتأصيل في ذات الوقت ـ على هويتنا ..!
وعليه نطالب بعمل مهرجاناً محلياً أو دولياُ يحمل عنوان " مهرجان الهويات " بما سكون من شأنه دعم مسيرة المسرح المصري وتأكيد هويته وخصوصيته .;"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق