ميدل ايست أونلاين
عمَّان ـ وقع اختيار الناقد د. مصطفى عطية جمعة على خمس روايات، من ثلاثة أقطار عربية، رأى أنها تعبر بشكل أو بآخر عن رؤى ما بعد الحداثة، وهي في مجملها تدين ما وصل إليه العرب، وتعبر عن أزمة الإنسان العربي، وضياع الانتماء، والإحساس بالدونية في الوطن، وغياب الهوية الجامعة، وسيادة الفردية والنرجسية.
وربما يتساءل البعض: هذه رؤى ليست بجديدة، فقد عالجها الأدب العربي عامة، والرواية العربية خاصة، بما فيها الرواية الحداثية؟ وهذا سؤال منطقي، وللإجابة عليه، فإن كثيرا من الروايات الحداثية عبرت من منظور جزئي عن هموم الوطن، وآلام فئة أو طبقة، ومن ثم تبنت بعض الحلول والأفكار، وروجت لمذهب فكري ما، وانتصرت لقيم عديدة، وتمسكت بالوطن، وناقشت الهوية، وكانت هناك أحلام عديدة، حتى بعد هزيمة 1967، فإن الروائيين العرب عبروا عن مرارات الهزيمة، ولكنهم تمسكوا بقناعاتهم الفكرية، وجعلوا الملاذ في الوطن، كاشفين العيوب، إما بالرمز، أو بالإشارة، أو بالخطاب المباشر، ضمن بناءات سردية جديدة، وبفضاءات نصية مبدعة، وبلغة حافلة بالجديد من التراكيب، وبلاغة السرد.
أما روايات ما بعد الحداثة، فإنها حملت نمطا مغايرا، وبعض من كتبها حداثيون، أعادوا قراءة الواقع والتجربة، وبعضهم لم يكن حداثيا، بل من جيل الشباب الذين نشأوا في شعارات براقة، وتطبيق زائف، فانطلقوا منتقدين الواقع، بلغة واضحة، وسرد مباشر، وتعبير عن الأزمات برؤية شمولية، بأسئلة صريحة، وتشريح للوطن، ونثر الذات بكل ما فيها من تناقضات، ومناقشة المحرمات، ورفض الإيديولوجيات الكبرى، التي آمنوا بها فترة من الزمن، ونادوا بها في كتاباتهم، ثم عادوا رافضين لها: إما لعدم جدوى تطبيقها، أو لأن دعاتها ليسوا أهلا لها، أو لأن الجميع اكتووا بتسلط الديكتاتوريات العربية.
وقد احتوت هذه الروايات التي ناقشها الناقد في كتابه "ما بعد الحداثة في الرواية العربية الجديدة" على كثير من المنجز الجمالي الروائي العربي، على صعيد الشكل والأسلوب والبناء.
لقد تطور الأدب العربي، وواكب الأدب العالمي، ولم يقتصر هذا على الشعر، بل امتد إلى سائر الفنون، ومنها الفن الروائي الذي نشأ عربيا بشكلانية غربية واضحة، ثم تمدد، حتى ترسخ، لتكون النصوص الروائية العربية ذات تميز، فسردت البيئة العربية، وقدمت الإنسان العربي: شخصية، وثقافة، وهموما، وأحلاما، وإحباطات، وعبرت فيما عبرت عن حساسية الأديب العربي الجديدة التي تشربها من رؤى الحداثة، ومن ثم تطورت الحساسية، لتنتقل إلى ما بعد الحداثة، وهي نقلة أقل ما يقال فيها: إنها تعيد قراءة الحداثة العربية المعاصرة، وتطرح الأسئلة حول مشاريعها وخططها، ونتائجها، من خلال ما يرصده الأديب في وطنه؛ في أصعدة عدة، أولها ذاته، وآخرها هويته.
وقد جاءت خطة الدراسة على محورين: الأول : تمهيد نظري عن الحداثة الفلسفة والطرح، ثم ما بعد الحداثة، منظورا ومراجعات ومقارنات، وعلاقتهما بالسرد الروائي.
ثم جاءت الدراسة التطبيقية متناولة خمس روايات، من ثلاثة أقطار عربية، رغم أن انتقاءها كان عشوائيا، ولكنها جمعت الكثير من الخصائص المشتركة، في السرد والشخصيات والطرح، وهذا ما تم إيجازه في خاتمة الدراسة.
يذكر أن للدكتور مصطفى عطية اثني عشر كتابا، متنوعة ما بين القص (مجموعتان قصصيتان: وجوه للحياة 1997، وطفح القيح 2005)، وثلاثة روايات (نثيرات الذاكرة 1999، شرنقة الحلم الأصفر 2002، ونتوءات قوس قزح 2010) ومسرحية "أمطار رمادية 2008"، وثلاثة كتب في النقد الأدبي: (أشكال السرد في القرن الرابع الهجري 2006، والزمن في السرد الروائي 2001، واللحمة والسداة 2010)، وكتاب في الإسلاميات: هيكل سليمان 2009، وقد صدر كتاب "ما بعد الحداثة في الرواية العربية الجديدة" عن منشورات مؤسسة الوراق، عمان، الأردن ، 2010.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق