ياسمين
قصة بقلم : محمد مهنا
مابين بنت الشمطاء، و« الأرشانة »، يا قلبى لاتحزن!؛ الأولى تقهرنى ليلاً، والثانية تمسح كرامتى نهاراً. ضائعٌ بينهما، فاقدٌ أنا ماتبقّى من رجولتى، ورومانسيتى الشائهة. لم أكن أحلم بهذا المصير. حاولت الاعتراض كثيراً، لكن صوتى كان لا يستمع إليه سوى قلبى المهزوم. كهولتى بدأت تتسحب ببطء، ثم صارت تجرى بى بسرعة، وكأنها اختطفتنى من حضن شبابى الذابل!.
منذ ثلاثين عاماً عندما كنت فى العشرين من عمرى، عرفتها، وسريعاً أحببتها، و... أسرع مما يخطط له العاشقون أمثالى، فقدتها، ولكن هل زالت صورتها من قلبى؟!، لا؛ لأننى حفرتها بين ضلوعى، وسكن اسمها ورسمهاعقلى الباطن، ولا يزال، رغم المحاولات المستميتة التى أتعرض لها من بنت الشمطاء، وهى المرأة التى أرغمنى أهلى منذ عشرين عاماً على الزواج منها؛ لصلة قرابة، ومصالح مشتركة تجمع بين والدى ووالدها. فاقدة كانت ولاتزال للرومانسية، فمن أين لها تلك المشاعر النبيلة التى لا تعرفها؟؛ وهى ابنة رجل كاره لنفسه، وامرأة سليطة اللسان، شمطاء منذ صغرها، فضلاً عن دمامتها الواضحة، وترهل جسدها، وخشونة شعرها القاضمة أجل الأمشاط الخشبية كلها، و... طبعاً « اكفى القدرة على فمها تطلع البنت لأمها»؛ أذاقتنى ولا تزال هذه الزوجة كئوساً مترعة من النكد اليومى المتواصل، والقهر لمشاعرى العصية أصلاً عن التدفق؛ لأنها لم تسمح لها بتواصل حميم مشروع، سوى فى حالات نادرة، أقتنصها وهى كارهة، وأنا أشد كرهاً!.
لاهم لهذه المرأة سوى تفتيش جيوبى يومياً، وتنظيفها من العملة بنوعيها الورقية والمعدنية، حتى سجائرى التى أنفث مع دخانها مُرّ حياتى، « تخنصر» منها الملعونة؛ لتعطيها لأمها الشمطاء « العايقة »!. لا أولاد تربط بيننا، وهذا مايسعدنى، ولكن لامفر منها إلا إليها؛ لأن لسانى معقود، وقلبى مهزوم، وعقلى تائه. إذا نطقت يوماً فى أوقات شرودى الطويلة باسم حبيبتى المفقودة، يصير يومى أسود من قرن الخروب!. هذه هى أيامى الحزينة وليالى عمرى الكئيبة، ولسوء حظى النادر أن نهارى ليس أفضل حالاً؛ ففيه أتعرض لمهانة أكبر، وأتجرع كئوساً أكثر مرارة من «الأرشانة» أم دنيا؛ تلك المرأة المتصابية التى تترأسنى فى العمل، عدوة الرجال رغم تصابيها المقزز، تفترس مرءوسيها الذين لا يتجاوبون مع رغباتها غير النبيلة، تشتهى الجنس ولا تجده؛ فليست جميلة أبداً تلك المطلقة خمسينية العمر، تفش غلها فى الجزاءات التى توقعها لمرءوسيها رجالاً ونساءً على السواء، إلا أننى أكثر المتعرضين لساديتها؛ لأننى نائبها؛ فما أن أناقشها فى قرار يخص العمل، حتى تنهمر علىّ بوابل من السباب والوقاحة التى لا أستطيع ردها، لا لخوفى منها، ولكن لطباعى الهادئة، وصوتى الخفيض، ورومانسيتى الخائبة التى تلازمنى منذ صغرى!.
لم يعد لسانى قادراً على تذوق المزيد من المرار الذى أحتسيه ليلاً ونهاراً، لم يعد عقلى مستوعباً حكم قدرى القاسى؛ بتمزيق جسدى وروحى، وقهر كيانى كله بمطرقة بنت الشمطاء، وسندان «الأرشانة». أحاول الهروب، ولكن إلى أين؟!. لم أجد سوى حل وحيد، وهو أن أوفر فى ثمن علب سجائرى، صرت أدخن أقل؛ لأننى أستغل النقود المتبقية بالفرار إلى «النت كافيه»؛ لأقضى فيه مراهقة متأخرة، وسط « تريقة » الشباب الذى ينظر لى بريبة. قررت ألا أحفل بتعليقاتهم السمجة، ونظراتهم الساخرة لرجل مثلى تدلى الكرش منه، ولمعت صلعته فى عتمة الليل!. استعنت بأحدهم؛ لينشئ لى حساباً على الفيس بوك. أقضى ساعات ليلى فى«النت»؛ لأننى اهتديت إلى فكرة شيطانية؛ بأن أضع أقراصاً منومة فى كوب الشاى لزوجتى!.
مرت علىّ خمسة شهور، وأنا أضيف مجموعة كبيرة من الأصدقاء. حتى أضفتها ذات يوم، لم أكتف بذلك، بل صارت صديقتى على الياهو. اسمها، ورسمها، وضحكتها التى استمعت إليها كثيراً، وأنا أشاهدها فى الدردشة، واضعاً على أذنى سماعتين، حتى لا أثير فضول الشباب المندهشين من تصرفاتى. لا يفرق بين صديقتى التى عرفتها عبر الشبكة العنكبوتية «النت»، وبين حبيبتى المفقودة سوى الجنسية؛ الحبيبة مصرية، والصديقة تونسية، ورومانسية الاسم تجمعهما؛ «ياسمين»، أكاد أتنفس أريجها وهى تدردش معى فى عالمى الافتراضى. و... أحببتها. أكاد أجن حين لا أجدها يوماً على «شات» الياهو، أو الفيس بوك. كيف الوصول إليها، ربيعية العمرذات الخامسة والعشرين ربيعاً، مليحة الوجه، سوداء الشعر، واسعة العينين، دقيقة الأنف، ابنة تونس الخضراء هذه؟!.
استمررنا على هذه الحال، حتى غابت عنى أسبوعاً، أين أنت يا حبيبتى الافتراضية؟، لا أجد إجابة، حتى داهمتنى الإجابة أخيراً؛ ياسمين الفتاة رائعة الجمال، فقدت حبيبها الواقعى الذى اغتالته يد الشرطة الآثمة، وهومنخرط فى مظاهرات حاشدة تطالب بالحرية.
و... ظهرت حبيبتى بعد يومين من الرابع عشر لشهر يناير2011، الحزن يكسوها، إلا أنه ممزوج بفرحة وقلق وترقب؛ صحيح أن حبيبها مات، إلا أن عطرها انتشر فى أرجاء وطنها كله؛ بعد أن أخذوا من اسمها عنواناً للثورة على فساد الحاكم زين العابدين بن على، ثورة الياسمين.
ياسمين حبيبتى الافتراضية، صارت منذ ظهورها ملاذى؛ أقضى معها ساعات أطول، ليس على «النت» فقط، بل فى خيالى، لا أحلم إلا بها.
- على فين يا «مدهول»، لامم هدومك فى شنطتك؟!.
- على« سيدى بوزيد»!.
هناك 7 تعليقات:
هذه أول قصة تتناول الثورة التونسية الأخيرة
قصة مكتوبة بأسلوب سلس وجذاب
اول مالفت نظرى فى القصة انها تعالج معاناة واحد من بين ملايين من الشعب المصرى من القهر والاستبداد حتى لو كان ذلك فى البيت والعمل، وحلم البطل فى الخلاص من هذا القهر، ولاحظوا دلالة اسم ام دنيا
هايلة جدا وبجد اسلوب راقى وقصة ممتازة وشيقة وموضوع جرئ جدا
كان يجب على الكاتب أن يختتم قصته بشكل واضح عن كدة القصة مش عاجبانى وشوية المنافقين اللى قالوا عليها حلوة هيروحوا النار وبعدين قصص ايه ونيلة ايه بلا قرف عاوزين نشوف أكل عيشنا
الى القارئ رقم 5 البلقاسى عندك مليون حق الادب والشعر والكلام الفارغ ده ملهاة عن دين الله كل الادباء واللى بيقرولهم هيروحوا النار كلاب كلاب كلاب
ايه شوية المكفراتية دول ما تغوروا بعيد عننا الله يخرب بيوتكم سيبونا نقرا الأدب يا قللات الادب
إرسال تعليق