مصدق يوسف
اذا قيل ماالأدب؟ هذا هو الأدب واذا قيل كيف تكون الرواية؟ هكذا تكون الرواية، ملحمة من الوجع لا يحتملها الا عراقي عاش وسمع ورأى.
وانا اتصفح الأوراق الأولى من رواية عين الدود مرت على ذاكرتي كتب قرأناها بازمان مختلفة (الساعه الخامسه والعشرون ،1984،الأقدام العارية) أعمال وثائقية وأدبية تهز الوجدان وكل خلايا النفس البشرية التي سلمت من العفن والتآكل تحت ضربات اليومي والتافه من الاشياء التي تسرقنا من لمحات الجمال المنتثرة هنا وهناك.. تهتز خلاياك لهذا الصراخ الذي يدوي في أرجاء الكون الممتليء بالأسئلة، الأسئلة التي تقض مضجع الانسان والتي تتناسل الى اسئلة لامتناهية هذا الألم البشري ذو الصناعة البشرية بدافع من ايدلوجيات عمياء، تلك التي أرادت أن نرى العالم الزاهي بالألوان ذو لون واحد، العالم بزواياه ومنحنياته ذات الاشكال اللانهائية ذو شكل واحد مسطح مثل عقولهم.
نصيف فلك وعبر فصول روايته التي يسميها باسماء أبطاله أصحاب الملامح العادية وليس الاسطورية يبحر بنا الى محيط الوجع والألم العراقيّ بلغه شعر صافي وهو الشاعر المتمكن من ادواته ..لغة وكأنها هي التي تقوده وليس هو حيث تنساب بشكل بالغ السلاسة والجمال، بالرغم من بشاعة ورعب الصور المنقولة،لاينشغل نصيف فلك كثيراً على عكس الكثيرين من كتاب الروايّة، باللغة المتعرجة المستغرقة بإيصال الجمال عبر دهاليز مربكة لتعقيدها، بل يسلك نصيف فلك في موسوعة الرعب كما وصفها صلاح حسن في مقاله عن الرواية، طرقاً عرفناها وألفناها، ملامحها واضحة وتضاريسها تسكن ذاكرتنا، فكانت الروايه أليفة الى درجه وكأنك حين تقرأها تظن نفسك أحد ابطالها.. لم يتوكأ نصيف فلك وهو الممتلىء على لغة السرد التي يسميها بعض النقاد (بالعالية)، فكانت لغته عالية بدون وعورة تنفرنا بالغالب من كثير من الكتب والروايات.. هذا البعض من النقاد يشبه الى حد بعيد فقهاء الدين الذين اطالوا الطريق الى الله كما وصفهم بعض المتصوفة، جعلوا من التعقيد مبتغى حتى أخلوا بعلاقة الناس بالكتاب عموماً والرواية خصوصاً، الرواية التي كانت ملاذاً للجميع حتى للذي ليست له تلك العلاقة الخاصة بالقراءة والكتاب، تحولت الرواية وبمباركة من النقاد الفقهاء الى لعنة ماأن تمسكها وتقرأ منها عشرة صفحات حتى تلقي بها حنقاً حالفاً بالله أن لا تعود اليها ثانية، خربوا علاقة الناس بالكتاب فبات الكتاب وقراءته ترفاً لا يمارسه إلاُ من اكتوت جباههم أقصد اصابعهم من كثر الكتابة.
نصيف فلك بروايته هذه يكمل ما بدأه في روايته الاولى (خضر قد والزمن الزيتوني) في رسم بانوراما الرعب التي عاشها العراقيون في الزمن الغابر والأغبر، ولعله يكتب الثالثه وأخرى ..
يعيد عبرها الكتاب والرواية الى مجده ومكانه المعلى، يعيد ثقة الناس بما يكتب، فهذا الذي تسود به الصفحات البيضاء هو لهم ويعنيهم، هو عنهم وعن وجعهم ليس متخفياً وراء قناع أو أقنعه قد تكون مبرره في زمن الدكتاتورية، ولكن الآن حري بها ان ترفع ويأخذ الكتَاب قرائهم والذين لا تكتمل حلقة الابداع ولا تقفل الا بهم، يأخذونهم بالاحضان ويبشرونهم بالعودة الى شوارعهم ،الى أسواقهم ،الى بيوتهم ..فقط قبعتك تبقى فعلى كل القبعات أن ترفع لك فأنت جديربذلك
المصدر/ ادب وفن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق