ترتبط ثنائيات الأسماء فى الوعى الجمعى بدلالات نابعة من الثقافة السائدة فى مجتمعها، فأبرز ما يثيره اسم عنتر فى ذهن المتلقى المصرى المعاصر من ثنائيات بعيدا عن عنتر وعبلة مثلا هو «عنتر ولبلب» والأقلام السبعة الشهيرة التى ضربها شكوكو الضعيف لعنتر المخيف فى الفيلم المعروف. أما ثنائيات اسم بشير فأبرز ما تذكرنا به هو تلك العبارة الشهيرة «بيبو وبشير، بيبو والجون» والأهداف الستة التى أحرزها الأهلى بمرمى الزمالك فى ذلك اليوم الحزين.
لكن ثنائية «عنتر وبشير» لا علاقة لها بمجال السينما أو مجال الرياضة، فهى ثنائية أدبية خالصة تتألف من الصديقين العزيزين الشاعرين أحمد عنتر مصطفى وبشير عياد،وكلاهما قد أحب شوقى وعشق أم كلثوم وكتب عنهما كثيرا. وكنت قد كتبت فى جزء من مقال سابق عن قصيدة «سلوا كئوس الطلا» التى أهداها شوقى لأم كلثوم، مشيرا إلى اعتمادى فى المعلومات على عنتر وكتابه «شوقيات الغناء»، فأرسل لى بشير رسالة طويلة تشكك فى مصداقية هذه المعلومات وتثبت غيرها، فراجعت عنتر الذى تصادف حضوره لمكتبى فى اليوم التالى لتسلمى الرسالة حرصا على الموضوعية، وراجعت مراجعى، وكان ما يلى..
بداية اعترض بشير على قول عنتر أن شوقى قد أهدى أم كلثوم هذه القصيدة فى الفجر التالى لليلة عرس ابنه على لأنها غنت فيه دون مقابل، ونفى بشير تماما أن تكون أم كلثوم قد حضرت هذا العرس، بينما أكد لى عنتر فى لقائنا أنها حضرت وأن أبرز صور هذا العرس صورتان: واحدة لسعد زغلول والأخرى لأم كلثوم، وأنه سوف يأتى لى بهما فى اليوم التالى لكنه لم يفعل،واتصلت به مرارا فلم يرد، بينما يذكر الدكتور أحمد الحوفى فى هامش الجزء الثانى من الشوقيات الخاص بهذه القصيدة أنها «قصيدة كان قد نظمها هدية لأم كلثوم، ثم غنتها، قدم القصيدة بنفسه صباح الليلة التى غنت فيها أم كلثوم فى حفل مبايعته بإمارة الشعر»،مبتعدا بالمناسبة عن فرح على تماما.
كذلك اعترض بشير على تاريخ إقامة فرح على الذى ذكره عنتر وهو عام 1925، مؤكدا أن شوقى لم ينتقل من المطرية إلى «كرمة بن هانئ» إلا عام 1926وفيه كان أول حفل كبير بزفاف على. وبرجوعى للشوقيات المجهولة وجدت نص قصيدة شوقى العامية التى كتبها خصيصا لهذا العرس ولحنها وغناها عبدالوهاب ومطلعها:
دار البشاير مجلسنا وليل زفافك مؤنسنا
إن شالله تفرح يا عريسنا وإن شالله دايما نفرح بك
وكان قد تم نشرها بالسياسة الأسبوعية فى 20 مارس 1926 مما يؤكد صحة التاريخ الثانى.
وقد اعترض بشير أيضا على ما قاله عنتر من أن البيت الأخير من القصيدة كان يذكر صراحة اسم أم كلثوم قائلا:
يا أم كلثوم أيام الهوى ذهبت كالحلم آها لأيام الهوى آها
وأن الشاعر أحمد رامى هو الذى قام بتغييره عند غناء أم كلثوم للقصيدة إلى:
يا جارة الأيك أيام الهوى ذهبت كالحلم آها لأيام الهوى آها
مستشهدا بأن نص القصيدة المكتوب بخط يد شوقى والمحفوظ بمتحف أم كلثوم كان هكذا منذ البداية. وقد راجعت عنتر الذى كان مديرا لهذا المتحف لسنوات فى هذا، فأجاب بأنه حقيقى لكن النص فى الشوقيات المجهولة يتضمن اسم أم كلثوم ويشير إلى هذا التغيير وأنه سوف يأتى لى به غدا لكنه لم يفعل. فرجعت للشوقيات المجهولة ووجدت أن النص مطابق لمخطوطة شوقى عدا كلمة واحدة تمت الإشارة إليها فى هامش يقول: «أبلغنا الأستاذ أحمد رامى الشاعر بأن أصل الرواية فى البيت السابع (ألقت إلى الليل سَحرا نافرا) فوضع رامى لأم كلثوم كلمة (جيدا) بدلا من كلمة (سَحرا)، ولاشك أن كلمة جيد أحلى وأنسب،جاء فى القاموس: السَحر الرئة، ويقال: كل ذى سَحر يتنفس»، والسَحر فى بيت شوقى مجاز مرسل المقصود به الصدر.
وكنت قد أشرت فى مقالى السابق إلى أن عنتر قد قال فى كتابه عن قصيدة سلوا كئوس الطلا: «حتى إن قصيدته التى نظمها فيها عام 1931، أى قبل رحيله بعام، ظلت حبيسة لديها ولم تفرج عنها أو تترنم بأبياتها إلا عام 1936، أى بعد وفاة شوقى بأربعة أعوام»، بينما يذكر أنه أهداها إليها ليلة عرس على، وعلى هذا يكون العرس عام 1931، على الرغم من أن شوقى قد كتب قصيدة احتفالا بحفيده أحمد الذى أنجبه على عام 1926، فكيف ينجب على قبل زواجه بخمسة أعوام؟ وراجعته فى هذا حينها، فأجاب بأنها غلطة مطبعية.
وقد تابع بشير عنتر أيضا فى الكتاب الذى راجعه وهو كتاب «أم كلثوم.. كوكب الشرق» تأليف: إيزابيل صياح بوديس، وترجمة: سونيا محمود نجا، حيث يقول: «إن الأخطاء فى تواريخ الأغانى وعناوينها وأسماء الشعراء والملحنين فى هذا الكتاب تستدعى مساءلة كل الذين عملوا فيه،كما ساءنى بقسوة هذه الأخطاء اللغوية الساذجة عندما وجدت اسم الشاعر أحمد عنتر مصطفى على غلاف الكتاب كمراجع».
وإذا كان هذا الكلام المجمل مطروحا للمناقشة، فإننى أشكرك بشدة على مراجعة المعلومات المحددة التى وردت بمقالى، وانتظر متشوقا وأحمد عنتر كذلك كتابك الضخم عن أم كلثوم الذى أنفقت فى إعداده ربع قرن من عمرك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق