اقيمت مساء الخميس 7/10/210المناقشة النقدية للقاص عصام الزهيري في مجموعته القصصية _ مسامرة جيدة لأرق طويل - وكانت مقاربة الشاعر صلاح جاد احدي الاوراق النقدية الهامة المقدمة في هذه المناقشة
مقاربة لمجموعة "مسامرة جيدة لأرق طويل" للقاص المبدع عصام الزهيري
الشاعر صلاح جاد
بداية يقول السارد:
"يراودني شعور قديم باليتم، ويدهمني الألم، كأن من سقط من شرفة الدور الرابع على رأسي كان هو أبي.." – من قصة "السقوط من أعلى"
هل كان يجب أن تكون بداية قصص المجموعة بهذه القصة..لست أدري!!
**
بعد "انتظار ما لا يتوقع"، و"حكايات البنات"، و"عيار طائش"، أصبح الزهيري متمرسا وخبيرا في كتابة القصة القصيرة، يجمع باقتدار بين كتابة التجربة وكتابة المثقافة والمزج بينهما أيضا. فالكاتب المتمرس يحتاج دائما إلى فيوض تجربته وإلى عصارة ومخزون ثقافته ليفيد موهبته، ويضيء عالمه.
في مجموعته الرابعة "مسامرة جيدة لأرق طويل" (التي تخيّر الزهيري قصصها الثمانية عشر بعناية فائقة من بين عشرات القصص تربو على الخمسين) تتجلى لنا وبوضوح تام سمات الكتابة القصصية والملامح الأسلوبية التي يتميز بها الزهيري في صياغة رؤيته للعالم حين ينعكس على مرآة ذاته، وسأركز على هذه الملامح والسمات التي تشكل مجموعته الرابعة باعتبارها آخر ما كتب.
**
تتبدى للقارئ بوضوح تام سمة السرد التسجيلي أو خصوصية تسجيلية السرد في قصص المجموعة، وهي ظاهرة تمثل قاسما مشتركا بين كتاب القصة القصيرة والرواية، حيث تجد العناية والولع بسرد التفاصيل الدقيقة، تفاصيل التفاصيل، والأمثلة على ذلك شائعة عند كتاب كثيرين منهم خيري شلبي والغيطاني ويحيى الطاهر عبدالله. يقول السارد في قصة "لسعة كرباج سوداني" (ص62): "وفي اليوم التالي خرجت البنت إلى بيت أمها تحمل رغيفا. البنت اسمها رقية، صغيرة قصيرة نحيفة، ترتدي ثوبا متسخا مفتوحا عند الصدر، يستحيل تحديد ألوانه، إذ يمتلك الثوب ألوانا كثيرة كبقع مفرطحة متداخلة الحدود وحائلة، كما أنه قصير تبدو منه عراقيب ساقيها السوداوين النحيلتين.."
ويقول في قصته "دفء من أجل نبيلة" (ص57) والتي أعتبرها من أجمل قصص المجموعة: "الزوج كان مدرسا في التعليم الابتدائي، لم يكن بينهما فارق ملموس في التعليم فكلاهما تحسب شهادته على فئة التعليم المتوسط، رغم أن دبلوم المتعلمين المتوسط الذي حمله الزوج يزيد بعامين عن دبلوم التجارة المتوسطة الذي تحمله نبيلة، غير أن ذلك لم يصنع من الفارق ما صنعه بعمق ماضي أمها الراقص.."
**
ملمح أسلوبي آخر تمتاز به قصص الزهيري هو التركيز على والاحتفاء بالمنبوذين والمشوهين والهامشيين سواء تفاعل السارد العليم مع أبطاله هؤلاء أم اكتفى بالحكي المحايد عنهم وعن عوالم جحيمهم. ونعثر على ذلك في قصص "شرفة لبلحة واحدة"، و"لسعة كرباج سوداني"، و"دفء من أجل نبيلة"، و"يحدث أحيانا"، و"مجنون الشرفة". في هذه القصص التي تطل على عوالم المهمشين في غير قليل منها عبر فضاء الشرفة، سواء كانت هذه الشرفة مسرحا للحدث كما في قصة "السقوط من أعلى" أو مكانا مفضلا للفرجة على العالم وأيضا التعليق الساخر عليه
في غير قصة من قصص المجموعة يتجول السارد بقارئه عبر فضاء ذاكرة مثقلة بالرعب، سواء باحتفاءات السرد بقصص العفاريت والجان أو بالكوابيس الغريبة أو بالأحداث الغرائبية. وتمتد هذه الذاكرة زمنيا منذ الطفولة حتى لحظة الكتابة نفسها. بدا ذلك في عدة قصص منها "أمور ثعابيني"، و"لقاء مع العجوز"، وحالة".
واعتقادي هو أن السرد هذا العالم الكابوسي المرعب يريح الذاكرة – ذاكرة السارد والقارئ معا – من مثل هذه المخاوف الطفولية ويحرر الإنسان منها وإلى الأبد.
ختاما، أتمنى أن يطالعنا الزهيري وقريبا بروايته الأولى بعد أربع مجموعات قصصية تمهد له الطريق لكي يتبوأ مكانة يستحقها في كوكبة السرد الجديد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق