بقلم : الشاعر والناقد/ عاطف الجندي
القاص أحمد محمد مليجي هو أحد الطيور المهاجرة للعمل في أحدى دول النفط العربية و هو ابن الصعيد الجميل و تحديدا من قرية أبوجرج بمحافظة المنيا ، و الذي يقدم لنا عمله القصصي الأول و هو بعنوان ( المنحوس ) و هو عمل صادر عن منتدى عاطف الجندي الأدبي ، هذا المنتدى الذي يقدم خدماته للوسط الأدبي العربي سواء على الإنترنت أو ندوته الشهرية باتحاد كتاب مصر ، حيث قدم العديد و العديد من المبدعين و يكفي أن نقول بأن أحمد مليجي هو أحد أعضائه المميزين و الفائز بجائزة أفضل قصة في مسابقة المنتدى الشهرية في شهر أكتوبر 2010 عن قصة ( رحلة مع عصفور و طفل ) و ها هو يصدر مجموعته القصصية من خلال مطبوعات المنتدى و مجموعته تلك تحمل الرقم السادس في ترتيب الإصدارات 0
و المجموعة تقع في مائة و ست صفحات من القطع المتوسط و تحتوى على ست و عشرين قصة قصيرة منها قصة مكررة و هي قصة ( أم مريم ) فهي بالعربية مرة و مرة أخرى مترجمة للغة الإنجليزية و بها أيضا قصة طويلة جاءت على ثلاثة أجزاء و هي بعنوان ( وفاء و براثن الذئب ) و ماعدا ذلك فالقصص الباقية هي قصص قصيرة في معظمها أو متوسطة و ربما كان للبيئة دور في ذلك كطبيعة الصعيد حيث الشريط الضيق على جانبي النيل من الأراضي المنبسطة و المأهولة بالسكان السبب فى أن تكون الجدية التي قد تصل إلى الحدة في طباع أهل الصعيد بصفة عامة أو اختزال الأعمال في أقل عدد من الجمل فظهر في الصعيد مثلا فن الواو بأبياته القليلة و تكثيفه الشديد بعكس رحابة الوجه البحري حيث الانبساط فى المساحة و في الكتابة أيضا ، لذا نجد أن معظم قصص أحمد مليجي و هو ينتمي لصعيد مصر قد أتت قصيرة أشبه بتلكسات أو قصص قصيرة جدا ماعدا القصة التي هي بمثابة رواية صغيرة و هي ( وفاء و براثن الذئب ) و جاءت على ثلاثة أجزاء و تتحدث عن الخيانة الزوجية ، كما تحدث عن الخيانة الزوجية أيضا في قصة قصيرة جدا بعنوان ( صدمة ) و تحدث عن مشكلات الإنترنت فى القصتين 0
و إذا نظرنا إلى القصص القصيرة فسنجد أن العناوين جاءت أيضا قصيرة جدا و معظمها من كلمة واحدة مثل ( لعبة ، حادث ، ميراث ، استعجال ، صدمة ، طلاق ، مبارزة ، 000) و هكذا أو من كلمتين على الأكثر مثل ( وصية زوج ، معاناة موظف ، أم مريم ، أين هي ؟ 00 ) 0
و نجده أيضا يحتفي بمفردات حياتية معاشه و واقع معاش لديه فهو يتحدث عن الماعز مثلا و هي من مفردات القرية المصرية التي ولد بها و أيضا يتحدث عن مكيال الذرة و نجده في مكان آخر يتحدث عن الطائرة و هي من مفردات سفره الدائم خارج مصر حيث يعمل ، و في موضع نجده متماسا مع التراث الجمعي و الموروث القصصي كما في قصة الماعز الجوعى و أبنائها و الذين أكلهم الذئب ماعدا الابن الأصغر و لكنه هنا في المجموعة القصصية يأتي بمعالجة جديدة و هي أن الأبناء لم يفترسهم الذئب و لكنها كانت خدعة منهم لأمهم و عمل مقلب فيها !
و نراه متحدثا عما يعانيه الأدباء و يكتب عن واقع ملموس لديهم كما في قصة ( الرواية الفائزة ) فالبطل يحتفي بفوز روايته بالمركز الأول في أحدى المسابقات و عندما يقرر شراء بعض الحلوى لزملائه بهذه المناسبة يفاجئ بأن الحلوى مغلفه بورق من روايته الفائزة و يا كم حدث ذلك معنا كأدباء عندما نفاجئ بأن أعمالنا المنشورة بالصحف حدث لها نفس ما حدث لبطل الرواية
0 و ينتصر للوحدة الوطنية بدون ضجيج أو الصوت العالي كما في قصة أم مريم و يشير للوحدة بين شطري الأمة المصرية كمسلمين و مسيحيين 0
و في قصة لعبه نجده ينتصر لمشاعر طفل يترك لعبته لطفل آخر و ينطلق هذا الطفل ليسأل عن أبيه المتوفى و في قصة حادث يشير إلى استمرار الحياة بالرغم من أي شيء في قصة صغيرة يموت السائق الذي يركب سيارته الأجرة عندما طالبه بزيادة السرعة ليصل في الميعاد المحدد فينزل من السيارة مسرعا و لا يلتفت البطل للسائق القتيل ليبحث عن سيارة جديدة تقله و كأنه يدين الواقع المعاش و الذي يتخلى فيه الإنسان عن مشاعره في مقابل مصالحه 0
و يدين بعض الأبناء في قصة ( وصية زوج ) عندما يوصي عروسه بحسن معاملة والدته و لكنه بعد شهور قليلة يودعها أحدى أماكن رعاية المسنين !
و يواصل إدانة الواقع و موت المشاعر في قصة قصيرة أخرى بعنوان ( ميراث ) و أن انشغال الجميع الدائم هو بتقسيم الإرث بينهم و ليس حتى دفن المتوفى و للأسف هذا موجود لدى البعض 0
و يعقد مقارنة بين حلم موظف بإحضار اللحم لأسرته و بين مرض ابنه الذي سيأخذ حتما مرتبه و في قصة لحظة ضعف يشير الكاتب إلى الخيانة الزوجية و يترك الباب مواربا لعدد من التفسيرات في قصة قصيرة مميزة يقول فيها : (في لحظة ضعف وافق على دعوة صديقه لقضاء سهرة مع ساقطة ، وصلت الساقطة إلى بيت صديقه في الموعد المحدد ، لكن عندما رأت سيارة مميزة تقف بجوار المنزل ، انتابها خوف وعادت مسرعة من حيثُ أتت، احتار وصديقه في معرفة سبب عودتها .
و في قصة ( جحود ) يقدم الابن الجاحد و الذي يمن على والده بكذا و كذا و لم يتحمل الأب المسكين وقع كلمات ابنه العاق فيقع ميتا على أثر هذا الموقف ، و الكاتب هنا يدين بعض الأشياء في حياتنا المعاصرة و ينتصر لأشياء أخرى و ينتصر أيضا للموعد و كأنه شيء مقدس لا يجب التفريط فيه سوى بالموت كما جاء في قصة ( استعجال ) فنراه يقول فيها : ( بعد مرور ساعتين على عدم حضور صديقه في الموعد المحدد بينهما سلفاً ، أقسم بينه و بين نفسه أن يقاطعه مدى الحياة ، في صباح اليوم التالي ، علم أن صديقه توفي في حادث أليم وهو في الطريق إليه. ) و نجد الكاتب في قصصه يضع الموت دائما كمعادل موضوعي حتى عندما يضطر البطل لقبول عرض ما للحصول على المال من أجل إجراء عملية لابنته تتعطل السيارة و فى هذه الأثناء تموت ابنته كما نفهم من القصة و كأنه يخرج البطل من دائرة قبول الرشوة حتى و لو بموت ابنته كما جاء في قصة ( صفقة ) !0
و نراه يتحدث في إيجاز جميل عما يلاقيه الطالب الجامعي من عدم التقدير في بلده و عدم الحصول على فرص عمل و لكنه عندما يذهب للعمل في الخارج و يعود ، تفتح له صالة كبار الزوار لأنه حصل على المال اللازم لوضعه في مكانة عالية في قصة ( عاد إلى الوطن )
و يتحدث عن الإنترنت و حب الانترنت و ما يحدث من خداع بين المحبين عن طريقه فى قصة ( مبارزة ) و يتحول الواقع المعاش إلى نوع من المبارزة في أول لقاء بينهما على أرض الواقع و هو أي الكاتب قد أشار من قبل إلى أن الإنترنت في حالة إساءة استخدامه ممكن يكون وسيلة للخيانة الزوجية كما في قصة وفاء و براثن الذئب و قصة صدمة 0
و في قصة ( سعادة الباشا ) ينتقم من هذا الباشا المتغطرس و الذي ينادي على خادمه لقتل بعوضة ما فما كان من هذا الخادم إلا أن يخلع حذاءه و يقذف به البعوضة الواقفة على الجدار فيرتد الحذاء إلى وجه هذا الباشا و كأنه ينتصر للفقراء و ينتقم من هذا الباشا ! 0
و في قصة ( رحلة مع عصفور و طفل ) ينتصر للجمال فهذا الصياد الذي يطلق الرصاص ليصطاد عصفورا لابنه و عندما يحمله و يعود به لابنه الذي معه فى رحلة الصيد نجد أن الابن قد مات هو الآخر بالرصاص و كأنه يجعل من هذا العصفور هو ابنه و العكس صحيح و يجعل النهاية مفتوحة للعديد من التأويلات و هذا نجاح للكاتب 0
و في قصة ( نسب ) نجد الأنانية المفرطة من ابن ما بعد أن خدمته واحدة ما – ربما كانت الأم أو الأخت – و ضحت بنفسها من أجل تلبية طلباته نجده يتركها عند وصوله للمكانة المرموقة فتعمل فى البيوت كخادمة للبحث عن لقمة عيش شريفة فيعود لها و لكن أيضا و بمنتهى الأنانية يطالبها بعدم الخدمة في المنازل حتى يتمم زواجه و كأنه يخشى من أن يعرف أهل من سيتزوج بها 0
و في قصة ( المنحوس ) و هي عنوان هذه المجموعة و الذى أراه مناسبا و موفقا للتعبير عن أبطال قصص المجموعة في العموم ، نجده هنا ينتصر للحظ و بأن من يظن نفسه منحوسًا في مواقف ، ربما كان محظوظا في مواقف أخرى و ينتصر لفكرته بأن يجعل بطل قصته هو الناجي الوحيد من بين حطام طائرة ركاب كانت تقله 0
و ينتصر للأمانة و الصدق في قصة ( مشهد النهاية ) و يرفض الحب الزائف و الخداع فحبيبته شعرها زائف و لون عينيها كذلك ، حتى طباعها و حبها زائف فما كان منه إلا أن تركها للتخلص من هذا الزيف 0
و في قصة ( مكيالين من الذرة ) يقدم لنا نموذجا لما يحدث من مجاملة أصحاب النفوذ بالرغم من عدم مجاملتهم لأحد ، فبطل القصة يذهب للجميع و يجاملهم و لكن عندما يمرض و يموت بعد ذلك فلا يشعر به أحد سوى بعد مرور أسبوعين على وفاته عندما فاحت رائحته لسبب بسيط هو أنه فقير و ليس بصاحب نفوذ يجعل المحيطين به يتقربون منه !
ملاحظات عامة على المجموعة القصصية
أولا : المجموعة أتت خالية من معظم أخطاء البدايات و معظمها لغوية فجاءت اللغة سليمة و مكثفة في قصص كثيرة و لم تترهل سوى فى بعض المناطق القليلة 0
ثانيا : غلب السرد على معظم القصص و وجود الراوي العليم الذي يتكلم و يتحكم في الأحداث و ربما تدخل بين الحين و الآخر في تفعيل الحدث أو أظهار رأيه مما يحدث
ثالثا : وجود القصة الرواية و أقصد هنا بقصة ( وفاء و براثن الذئب ) كانت عبئا على العمل ففيها من السرد الكثير و الترهل في بعض مناطقها مما يجعلها بعيدة عن مفهوم القصة القصيرة
رابعا : وجود قصة ( أم مريم ) مترجمة في آخر المجموعة ـ أراه محاولة من الكاتب للتدليل على جودة أعماله بأن قصة لديه قد ترجمت إلى لغة أخرى و حقيقة لست مع أو ضد و لكني أقوم برصد ظاهرة فقط و لكل قارئ الحق في الانحياز لهذا أو ذاك 0
خامسا : جاءت العناوين مكثفة و معبرة عن المحتوى و في نفس الوقت تفتح الطريق للعديد من الاحتمالات و التفسيرات 0
أخيرا : هذا الكاتب لدية قدرة على امتلاك اللحظة و الحديث عنها و تقديم القصة المكثفة الموحية و لذا ما أطالبه به في قادم الأعمال فهو قادر على التلميح و الدعوة لقراءة ما بين السطور و هذا ما يجعل منه كاتبا واعدا ننتظر منه الكثير في درب القصة القصيرة و أشير أيضا بأن لديه استعداد لكتابة الرواية و ربما يفاجئنا بكتابتها في القريب العاجل 0
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق