اليوم السابع
قامت الثورة وانتصرت واختفت، بل سجنت أسماء براقة وتغير رؤساء تحرير الصحف وأولهم رئيس تحرير الجمهورية، ومازال هذا الوضع المعوج، بل المريب المستفز قائم فى الثقافة الجماهيرية: "كل مسئولى صفحات وأقسام الثقافة والأدب فى كل مطبوعات "دار التحرير والنشر" تقريبا يعملون فى الثقافة الجماهيرية، وليس أى عمل وإنما رؤساء تحرير، والأعوج أن رئاساتهم الهامة والمبجلة هذه والتى ينفقون عليها جل وقتهم وجهدهم تمارس فى غير ساعات العمل الرسمية، والأعوج من الاعوجاج ذاته أنهم يتقاضون عنها مرتبات غريبة فى هيئة فقيرة مثل الثقافة الجماهيرية، وبالطابع لا تقارن بما يتقاضونه من عملهم الأصلى فى دار التحرير والنشر!!
يسرى حسان، المحرر الثقافى بجريدة المساء والمشرف على القسم الثقافى بمجلة "حريتى" يعمل رئيسا لتحرير مجلة "مسرحنا" ويسرى السيد محرر "نادى أدباء الأقاليم" يعمل رئيسا لتحرير مجلة "مصر المحروسة" الإلكترونية، وعمرو رضا المشرف على الصفحة الثقافية بجريدة الجمهورية يعمل رئيسا لتحرير مجلة "الثقافة الجديدة".
ومعروف أنهم كانوا ومازالوا مندوبين لدار التحرير فى الثقافة الجماهيرية، وأن سبب تعيينهم فى ظل الكوادر الثقافية المهدرة فى الثقافة الجماهيرية يرجع لذلك بمنتهى الوضوح والشفافية، ولا يعلم إلا الله كيف يؤدون عملهم الصحفى بالموضوعية المفترضة فى ظل هذا الوضع، وكيف يعملون فى هيئة المفترض أنهم مراقبوها ومصوبو أخطائها خصوصا بعد الثورة المجيدة؟
ولو كانت مواقع أساسية وفى صميم عمل الثقافة الجماهيرية لهان الأمر، إنما هى مواقع مضافة، طارئة، أوضح ما يؤكد أنها اخترعت خصيصا أن الثقافة الجماهيرية لم تعرفها قبلهم: "مجلة مسرحنا أسسها د. أحمد نوار رئيس هيئة قصور الثقافة الأسبق خصيصا ليسرى حسان، وكانت فى الأصل نشرة يومية لمهرجان نوادى المسرح والسبب الوحيد لتحويلها إلى مجلة هى المبالغة فى إطراء نوار فنانا وقائدا للثقافة الجماهيرية، و"مصر المحروسة" أساسها د. أحمد مجاهد رئيس الهيئة السابق خصيصا ليسرى السيد، أما عمرو رضا فقد اخُترع له منصب لم تعرفه الثقافة الجماهيرية قبله.
والأغرب أن هذه المواقع المخترعة تكرر حرفيا مطبوعات وإصدارات قديمة مازالت مستمرة حتى اليوم، فمجلة "مسرحنا" تعيد تجربة وربما نصوص وكتّاب مجلة "آفاق المسرح" وسلسلة "نصوص مسرحية" التى تصدرها الهيئة شهريا، ومجلة "مصر المحروسة" تقوم بنفس الدور الذى يقوم به "موقع هيئة قصور الثقافة" الإلكترونى الذى يشرف عليه الناقد د. مصطفى الضبع ، وهى تفتقر لأى تأثير أو رواج يذكر اللهم إلا سخط غالبية الأدباء والمسرحيين، والأهم أنها ترهق ميزانية الثقافة الجماهيرية المحدودة أصلا والمخصصة أساسا للأقاليم المحرومة من الفنون والثقافة عموما، يكفى أن المكافأة الشهرية لأى واحد من هؤلاء (الرؤساء) تبلغ أضعاف ما تخصصه الهيئة لنادى أدب أى محافظة طوال عام كامل بما فيها "نادى أدب" العاصمة نفسه!
ومنذ قيام الثورة ومن قبلها بُح صوت موظفى الثقافة الجماهيرية وشباب مثقفيها وكتابها وفنانيها وحتى لجنتها النقابية فعليا، وأصدروا العديد من البيانات ونظمو العديد من المظاهرات والاعتصامات التى تطالب أول ما تطالب بالغاء مجلة "مسرحنا"، "وموقع" مصر المحروسة "لم يكبداه لميزانية الهيئة دون أى تأثير أو حتى جدوى واضحة!
ولكن هيهات، والمؤسف حقا أن هذا التجاهل إن لم نقل العناد لا يخص هذه المواقع المخترعة فقط وإنما يمتد لكل دولاب العمل بالثقافة الجماهيرية، فهى المؤسسة الوحيدة التى لم تتأثر أحوالها فعليا بالثورة، وظل أسلوب العمل بها على حاله دون تبديل أو تغيير فما بالك بتطور، وحتى رئيسها الجديد الشاعر سعد عبد الرحمن يعتبر رئيسها الفعلى طوال الخمس سنوات الماضية، فقد كان يرأس الإدارة المركزية للشئون الثقافية، ومعروف أنها الإدارة التى تهيمن على عصب الحياة فى أنشطة الثقافة الجماهيرية وضمنها إدارات وأنشطة الثقافة العامة والمهرجانات والمكتبات والطفل ونوادى الأدب والمعارض والمسابقات والمؤتمرات وغيرها، كما أن أسلوب العمل مازال قائما لم يتغير من حيث الاهتمام بالمناسبات الإعلامية كأعياد الأم وغيرها، ومن حيث التجاهل التام لأى تطوير أو حتى تشغيل للعمل الثقافى فى الأقاليم، وطبعا من حيث دعم ومساندة المواقع المخترعة فى عز المطالب الجماهيرية بوقفها كما فعل رئيس الهيئة الجديد فى أول حواراته الصحفية.
وهذا بالطبع يعرقل عمل الثقافة الجماهيرية فى عز الحاجة إليها، وفى عز استفحال الأفكار والتيارات العنصرية المتطرفة فى المجتمع فهى بعتادها الضخم قادرة وجديرة بثورة ثقافية شاملة، وهى المؤسسة الوحيدة القادرة على ترسيخ قيم الحرية والاستنارة ومواجهة أفكار العنصرية والتطرف فى منابعها، ولن يكلفها ذلك أكثر من تحريك ما تملكه من مسرحيات ومعارض وأفلام ومطبوعات وشعراء وفرق شعبية وعشرات صالات العرض السينمائى وعشرات، بل مئات الكتاب والفنانين فى شتى أنحاء مصر، وفى ظل تطاول الأفكار المتطرفة هذه الأيام كان المفترض، بل الضرورى أن تبدأ حتى بإرسال دعاة من الأزهر الشريف لتعريف رواد الثقافة الجماهيرية فى مختلف أنحاء مصر، وأولهم موظفيها صحيح الدين، وأن أنظمة وأفكار كالعلمانية والمدنية مثلا لا تعنى الخروج على الدين، كما يروج المتطرفون بضراوة هذه الأيام !! ولكنها معطلة، والمؤكد أنها ستظل ما لم تتغير هذه الأوضاع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق