لا يهمنى إن كانت العبوة المستخدمة فى التفجير الدامى الذى وقع أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية ليلة رأس السنة، وخلف أكثر من عشرين قتيلا غير المصابين، تزن 100 كيلو جرام أم أكثر. ولا يهمنى هل تم وضعها فى سيارة مفخخة أم أنها قد ألقيت تحت سيارة واحد من المصريين المسيحيين أثناء حضوره للقداس. بل لا أبالغ إن قلت إنه لا يهمنى إن كانت الجريمة قد تم تدبيرها بفعل تنظيم القاعدة أم بفعل خلية إرهابية مصرية متطرفة لم تكتشف بعد.
لا يهمنى كل هذا، على الرغم من ضرورته لاتخاذ التدابير الأمنية المستقبلية، بقدر ما يهمنى ويغمنى تلك المصادمات الكارثية بين أبناء الوطن الواحد التى أعقبت الانفجار.
والسبب فى ذلك واضح ومعلوم لأنه أيا ما كانت نتيجة الاحتمالات السابقة، فلا يمكن الاختلاف على شيئين: الأول أن هذه الحادثة لا يمكن أن تصنف إلا تحت بند الجريمة الإرهابية المنظمة بغض النظر عن جنسية مدبريها وطريقة تنفيذها، وقد راح ضحيتها مسيحيون ومسلمون. والثانى أن هناك يدا خفية خارجية عابثة تحاول غرس جذور الفتنة الطائفية بمصر وفقا لأجندة سياسية لا علاقة لها بالدين الذى تستغله فى إلهاب مشاعر أبناء الوطن الواحد من مسلمين ومسيحيين.
لكن المصادمات التى أعقبت التفجير تمثل كارثة كبرى تهدد الأمن القومى المصرى تهديدا حقيقيا لسببين: الأول أنها الحادثة الثانية فى أقل من شهرين التى يتحول فيها الغضب المسيحى فى مصر إلى العنف الصريح ويتطور فى هذا الاتجاه. فإذا كان الغضب المسيحى فى واقعة كنيسة العمرانية قد توجه نحو المحافظ ورجال الشرطة الذين حاولوا تنفيذ قرار إزالة مخالفات البناء فقط، حيث تضامن مع المسيحيين فى احتجاجهم بعض المسلمين من سكان المنطقة، فإن العنف الغاضب هذه المرة قد توجه نحو المواطنين المسلمين المسالمين، وحاول التوجه نحو المسجد المقابل للكنيسة، واتسع ليضم الشرطة حين تصدت لهذه المحاولات.
والسبب الثانى أن هذه المصادمات أكدت أن اليد الخفية السياسية الخارجية العابثة قد نجحت فى تحريك قوى الغضب الدينى فى الداخل بالاتجاه الذى تريده، على الرغم من أن معظم الدلائل تشير إلى أن تنظيم القاعدة الإرهابى العالمى على الأرجح هو الذى قام بالتدبير لتنفيذ هذه الجريمة وفقا لتهديداته السابقة، وأنه قد نجح من قبل فى القيام بأكثر من هذا فى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.
وكنت قد استشرفت خطرا قادما من هذا الباب بعد تداعيات حادثة كنيسة العمرانية، وكتبت مقالا بجريدة الشروق فى 13 ديسمبر 2010 بعنوان «المشروع القومى» قلت فى نهايته: «وإذا كنا نحتاج إلى مشروع قومى نلتف حوله غير مباريات المنتخب القومى لكرة القدم، فليس أفضل من ملف الوحدة الوطنية، لأنه أخطر الملفات التى تواجه المجتمع الآن من زاوية، ولأنه لا يمكن البدء فى مشروع قومى آخر قبل التأكد من صد كل المحاولات المغرضة لإحداث هذا الشرخ فى بنية ووجدان المجتمع المصرى.
والخطاب موجه لجميع الأطراف، المسيحيين قبل المسلمين فالتعصب العنيف قد أصبح سلوكا سائدا، والشعب ومؤسسات المجتمع المدنى قبل الحكومة فالمسؤلية أصبحت مشتركة، ولا علاج بالمسكنات بل يجب أن نكشف صادقين عن جذور المشاكل ونتكاتف من أجل اقتلاعها».
وقد أهاب الرئيس مبارك شخصيا فى أعقاب حادثة كنيسة القديسين بالأسكندرية بأبناء مصر أقباطا ومسلمين أن يقفوا صفا واحدا فى مواجهة قوى الإرهاب والمتربصين بأمن الوطن واستقراره ووحدة أبنائه، فماذا ننتظر أكثر من كل ما حدث حتى نتبنى جميعا ملف الوحدة الوطنية ليصبح مشروعا قوميا؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق