الاثنين، ديسمبر 06، 2010

شاى بدون سكر .........مقال أحمد مجاهد بجريدة الشروق




تلقيت على صفحتى بالفيس بوك أغنية متميزة، أعادتنى إلى ماضٍ قريب جميل عشت لحظاته مع كل أبناء جيلى من المصريين. وأجمل ما فى هذه الأغنية أنها تبتعد تماما عن المباشرة السياسية، وتعيد تصوير لقطات من حياة المجتمع المصرى فى عهد قريب بكلمات بسيطة قادرة على جعل المتلقى يسترجع التاريخ ويعقد مقارنة بين الماضى والحاضر مستشرفا ما يمكن أن يحدث فى المستقبل. والرائع أن كل هذه الدلالات تحوَّم فقط فى ذهن المتلقى وفضاء النص الذى يظل محتفظا بخصوصيته الفنية، مكتفيا بأن يكون مثيرا أيديولوجيا بامتياز. تقول بداية الأغنية:

ســت تريـــزا وجـــــوزها بشـــاى عزمونى على حفلة شاى
عـــم بشــاى كــان لسه مقدِّس ومعلَّق فى رقبته صليب
رحت الحفلـة عطـونى ملبـس والبيتفور والشاى بحليب
إن الشاعر يحكى عن دعوته إلى حفل شاى لدى أسرة مسيحية مؤمنة فى إطار من المحبة المتبادلة، وفى زمن لم نكن نسمع فيه عن تلك الفتاوى المشبوهة التى تدعو لعدم تناول الطعام لدى إخواننا المسيحيين. ثم ينتقل بعد هذا إلى الحديث عن باقى أفراد أسرة المقدس بشاى، حيث يقول:
ســــــت تريــــــزا طيبــــــه خالـــص وبتحلــق شـــــعرها جرســــون
عندهــــــــــا ابـــــن مؤدب جـــــــــدا دكتور بيطرى واسمه ريمون
كان فى التخته بيقعد جنبى كان فى الماتش بيلعب جـون
إن كلمات هذا المقطع تبدو للوهلة الأولى خالية من ملامح الشعرية لأنها تفتقر إلى الصور البلاغية، لكن رهافة التقاط الشاعر للتفاصيل الصغيرة تمنح المقطع لونا من شعرية التصوير العميقة غير المألوفة، فها هو يلتقط طيبة الأم التى تحلق شعرها كالرجال ليكون وجهها أكثر صرامة وجدية من بعض أصحاب الحجاب المزركش. ويلتقط أدب الابن وتسامحه القانع بالمرتبة الثانية، فهو طبيب بيطرى وليس بشريا، وهو لا يمانع فى حراسة المرمى التى يهرب الأطفال منها دائما مفضلين اللعب فى خط الهجوم وإحراز الأهداف. ويلتقط جلوس كلا الطفلين فى تخته واحدة تغمرها المحبة الصافية فى ظل مناهج كان لا يتسرب خلالها ما يعكر هذا الصفو.

على أن صداقة الشاعر بريمون لم تقف عند حدود المدرسة فقط، بل تعدتها إلى المنزل أيضا ليصير بينهما تاريخ مشترك منذ نعومة أظافرهما، حيث يقول:
يامــا لعبنـــا زمـــان ع البســطا ياما ضحكنا كمان بجنون
فاكر مــره بطحتــه فــى راســه غصبـــن عنــى واحنا عيال
شده أبويا فى حضنه وباســه واخده وطار ع الاسـتقبال

إن هذه العلاقة العميقة قد جمعت بينهما فى الفرح والجرح، فصارا كأنهما طفلان لأب واحد. والأمر نفسه تكرر على مستوى الأعياد الدينية أيضا التى كان لها فى ذلك الوقت مظاهر اجتماعية مشتركة، حيث يقول:

صاحبى ريمون كان ياخد العادة ويعلق على بيته فانوس
بعد صلاة العيد نتمرجح عم بشاى يدينا فلوس
إن الطفلين مازالا ينتميان لأب واحد، لكنه قد صار الأب المسيحى هذه المرة. على أن مجاملات الأعياد لم تكن من طرف واحد أيضا بل كانت متبادلة، حيث يقول:

ست تريزا تبل الترمس وتاخدنى مع جورج وتادرس
عند العدرا فى عيد الخوص أمى الحاجة تطفى وابورها
تغرف صحن وتجرى تزورها وتطبطب على كتفى تقول لى
شوف وصانا رسولنا ازاى
ست تريزا وجوزها بشاى عزمونى على حفلة شاى

بقى أن تعرف أن هذه الأغنية قد اشترك فى إعدادها أربعة أشخاص ثلاثة منهم مسلمون، فهى من تأليف هانى الحبالى وألحان محمد سعيد وغناء محمد مراد وإخراج عصام ستاتى، وقد تم تسجيلها وتصويرها بدون إنتاج يذكر وعرضت على بعض الأصدقاء عبر الإنترنت، حيث تنشغل الفضائيات بتصوير وعرض «العنب» و«حط النقط فوق الحروف» و«بوس الواوا»، ولا عزاء للوحدة الوطنية والفن الهادف الذى يحاول تضميد جراحها بنعومة وجمال.

ليست هناك تعليقات: