الاثنين، نوفمبر 22، 2010

دعاية انتخابية ....... بقلم: أحمد مجاهد




تطورت الدعاية الانتخابية تطورا ملحوظا بتأثير احتياجات العصر، فكما قال العقاد صاحب العبقريات فى تعريفه للعبقرية: «العبقرى هو الذى يعطى البيئة كفاء ما تطلب»، أى الذى يكتشف ما يحتاجه المجتمع ويكون فى طليعة المستجيبين لحاجاته، والأمر ينطبق على جميع المجالات بما فيها المجال العلمى أيضا، فلا شك فى أن العالَم سيسخر من ذلك العالِم الذى ينقطع عنه فى محبسه منذ سنوات إذا خرج عليه غدا أو بعد غد مخترعا الدراجة بعد أن توصلت البشرية إلى اختراع الطائرات والصواريخ والأقمار الصناعية.

ولأن بعض المرشحين عباقرة بالضرورة، والحاجة أم الاختراع، فقد توصلوا والحمد لله إلى أساليب جديدة من الدعاية فى هذا الموسم الذى واكب عيد الأضحى المبارك، أبرزها أسلوب الدعاية باللحمة بأنواعها الثلاثة: الكندوز والبتلو والضانى فقط، حيث أفتى أحد الخبثاء بأن «الجمل» الذى يعد شعارا انتخابيا خاصا بالحزب الوطنى لا يليق ذبحه فى مثل هذه المناسبة من باب التشاؤم.

وبالتحقيق والتدقيق فى المصادر والمراجع تبين أن الدعاية باللحمة ليست أسلوبا انتخابيا مبتكرا، حيث قال فؤاد قاعود عام 1976:
انتخاب انتخاب
للمشايخ والشباب

اللى حالق شعره موده
واللى بارم الشناب

كلهم رشوا الأمانى
من خراطيم السراب

م اللى عيلته وارثه دايره
من سنين الانتداب

واللى عنده عزبه كامله
له مع الناخبين حساب

واللى سالف من قرايبه
واللى عامل اكتتاب

ربنا وياه ولكن
القلم غير الحراب

والشقق أمات فلافل
غير طواجين الكباب

فمن الواضح أن أسلوب الدعاية باللحمة ليس اختراعا حديثا، لكنه قد بدأ فى الظهور مع الارتفاع التدريجى لأسعار اللحوم، وصار متناسبا معه تناسبا طرديا، حتى وصل إلى قمته فى الغلاء والشيوع هذا العام.

وعلى كل فهو أسلوب دعائى انتخابى لا نملك نقديا إلا أن نحسبه على المعاصرة والحداثة، لهذا فإن السادة المرشحين أصحاب هذا الاتجاه تفعيلا للانتماء تمسكوا بعنصر دعائى آخر مصاحب له ينتمى إلى دائرة الأصالة والتراث، وهو عنصر «الهتَّاف» الذى يصاحب المرشح فى جولاته هاتفا باسمه إذا قام أو قعد أو خطب أو صمت وأحيانا إذا تنفس.

وقد رصد بيرم التونسى ظاهرة الهتَّاف مبكرا جدا وتعمق فى بحث شخصيته اجتماعيا وسياسيا، حيث يقول متتبعا نشأته الكريمة وترعرعه:
شتم المعلم وسب الدين للناظر
قالوا له مرفوت مؤبد منها يا شاطر
كان خاله ترزى ولابن اخته عمل خاطر
وفى المحل اشتغل يا دوب قعد شهرين

فهو يتصف مبدئيا بالبلطجة وسلاطة اللسان، لهذا كان طبيعيا أن يفشل فى التعليم، أما فشله فى الصنعة فيعود إلى أنه قد سرق ثوب قماش إنجليزى فاخر من محل خاله، وتوالى فشله بعد ذلك فى كل عمل يسند إليه حتى وجد ضالته فى هذه الوظيفة التى تتفق مع إمكاناته ومقوماته الشخصية، حيث يقول بيرم:
أوحت إليه السياسة يشتغل هتاف
والهتافين ينجحوا طول ما البلد فى خلاف
يخطب معالى الوزير فى حفلة الكشَّاف
وده يقاطعه ويهتف بالقليل ساعتين

•••
ياما خطب قيِّمه بتنقل قيمتها
حلمى وقف بالصراخ والضجه موتها
ينطق معاليه بكلمه، حلمى ما يفوتها
إلا بيحيا ويسقط ويقبض القرشين

وعلى الرغم من أن تحليل بيرم الموضوعى يقطع بأن أفعال هذا الهتَّاف كانت تفسد خطب المرشح، فمن قال له إن النزعة الدعائية تعرف معنى الموضوعية أو تنتمى إليها؟

لكن السؤال المحير حقا هو: إلى أى حزب ينتمى حلمى الهتَّاف؟ وهل له موقف سياسى معين يتحمس له بكل هذا العنف؟ وقد سأله بيرم فكانت إجابته كالتالى:
سألته أول سنه قال لى أنا وفدى
سألته تانى سنه قال لى أنا سعدى
سألته تالت سنه قال لى أنا وحدى
وإذا قبضت الدراهم أخدم الفريقين!!

فعلى كل مرشح الانتباه للهتَّاف الذى يتبعه، وعلى كل ناخب الانتباه لنوعية المرشح الذى سيختاره، وعلى كل من المرشح والناخب الانتباه إلى مصير هذا الوطن الذى هو بالتأكيد أهم من حصانة فرد أو وجبة لحوم لأسرة.

جريدة الشروق

ليست هناك تعليقات: