القاهرة : في صالونه الشهري الذي افتتح أولى جلساته أمس الأربعاء بساقية الصاوي، شن دكتور يوسف زيدان هجوما على الداعية الإسلامي محمد حسان بسبب فتواه التي يبيح فيها بيع الآثار والتماثيل إذا اكتشفها الشخص بمكان يخصه ، كما دعا لتشويهها عن صورتها الأصلية .
وقال حسان ردا على سؤال هاتفي من أحد المشاهدين لحلقة برنامجه على قناة "الرحمة" أمس الأول أن "الركاز" - وهو مصطلح فقهي يعني حق الانتفاع بما يجده الإنسان في بيته او أرضه أو المكان الذي يملكه وزكاة الركاز وفقا لكل المذاهب الإسلامية 10% من قيمة المكتشف - يجوز الانتفاع به دون الرجوع إلى الدولة، وإذا كان ما يجده هذا هو أثرا فيجب طمسه واستعماله!.
وفي ندوته اعتبر زيدان أن هذه الفتوى لا تستند لأي دليل أو علم ، معتبرا إياها أيضا علامة على تراجع العقل الجمعي المصري الذي يتأثر بتلك الفتاوى .
مستطردا : الفقهاء ورجال الدين جميعهم مروا على أماكن آثرية ولم يسجل أي منهم اعتراضه على وجودها، وكان أولى بالجيل الأول من المسلمين أن يطمس آثار مصر حين فتحوها، ولكن ذلك لم يحدث ولم يمر بخاطرهم.
وأضاف يوسف زيدان مدير مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية أن هذه الفتوى ستشجع من يملكون آثارا وهي كثيرة في متناول أهل الصعيد، العبث بها وعدم الحفاظ عليها، وقد رأى كيف أن المواشي هناك تشرب في توابيت فرعونية من الجرانيت!.
يواصل : كان حرى بالشيخ حسان أن يلفت الانتباه إلى ضرورة ان تخرج الدول البترولية وهي دول إسلامية زكاة الركاز مما في أرضها للفقراء وهو الأمر الذي إن حدث لن نجد شخصا واحدا فقيرا في العالم الإسلامي.
وردا على سؤال أحد الحاضرين أكد زيدان أن انفراد أحد المشايخ بفتوى لا تستند لأدلة صحيحة متعارف عليها لا تجعلها ممثلة لجموع العلماء في مصر، لكن الخطورة تكمن في انسياق بعض الأفراد وراءها الأمر الذي يكسبها شرعية، مثلما حدث اعتداء على أديب نوبل الراحل "نجيب محفوظ" من قبل شخص لم يقرأ له حرفا ولكنه تأثر بما سمعه من كلام وفتاوى "جاهلة" .
ويرى زيدان أن التدين المصري سمح على مر العصور ، ويندر أن نجد حالة قتل لمفكر أو عالم أو شاعر على خلفية دينية، كما كان يجري في العراق التي قتل فيها الحلاج، أو سوريا التي قتل فيها السهروردي، وغيرهما من البلاد، أما في مصر فرغم عدم الترحيب مثلا بأفكار بن عربي لم يبطش به .
ثم عرج صاحب رواية "عزازيل" الحائزة على جائزة بوكر على ما قاله الرئيس مبارك مؤخرا من ضرورة ألا يتكلم احد بشان الأديان حفاظا على الوحدة الوطنية، والبلد التي يصفها زيدان أانها تخلخلت ولم تعد تتحمل الصدمات، مستشهدا بأبيات من الشعر للراحل الكبير صلاح عبد الصبور يقول فيها: "في بلد لا يحكم فيه القانون/ ويدخل فيه الناس بمحض الصدفة إلى السجن/ لا يوجد مستقبل/ في بلد تتعرى فيه المرأة كي تأكل/ لا يوجد مستقبل".
سلطة رأس المال
كان الموضوع الثاني الذي ناقشه الدكتور زيدان بصالونه تحكم رأس المال في توجهات وسائل الإعلام الآن، الأمر الذي أسفر عنه إقالة رئيس تحرير جريدة "الدستور" الصحفي الكبير إبراهيم عيسى، فقد أصبحت وسائل الإعلام الآن كما يصفها "اوليجركية" وهو مصطلح يعني - حسب تصنيف أفلاطون لأشكال الحكومات – قيادة أصحاب رؤوس الأموال للمجتمع، وهذا صورة مبكرة لما يسمى "الاقتصاد السياسي" الذي تعيشه مصر الآن وينذر بكارثة كبرى.
فقد يستطيع رجل أعمال متوسط الأهمية في أوروبا شراء ثقافتنا وجرائدنا ودور نشرنا، ولذلك علينا البحث جيدا عن عقل جمعي مفكر يبحث عن حلول لمشكلاته، بدلا من أن نكون مجرد جماعات تسير وراء شخص واحد ترى فيه خلاصها.
ويؤكد زيدان أنه رجل اعتاد الاعتناء بالتراث والنظر إلى الوراء لاستشراف المستقبل وفهم الحاضر، وهو ما جعله يعرف أننا نعيش في مجتمع يقضي على التنوع وخصوصية الثقافة لدى الشعوب، فقد أصبح ثقافة "المول" التجاري هي المنتشرة الآن، وكلما تضخمت تلك الثقافة كلما قضينا على الجزء الإنساني في الاقتصاد، وغيرها من الأشياء التي تنتهي لصالح العملية التسويقية الصادمة التي تجعلك تعتاد على هذا المكان وتقضي على التنوع الإنساني الحقيقي في حركة البيع.
مضيفا أن هذا ما جعله يقلق على الثقافة المصرية التي يمكن شراؤها وتسعيرها، وهو ما جعلني أشترك في مشروع "الورّاق" الذي أقامه المجمع الثقافي بأبو ظبي يتيح وجود الكتب على الانترنت مجانا، وقمت بعمل موقع "زيدان دوت كوم" وهو موقع للتراث والمخطوطات العربية وبه محرك بحثي للفهارس كل هذا بشكل مجاني، وحين عرضت عليّ اليونسكو دعم المشروع رفضت حتى يبقى مجانا كما هو واشتركت معهم في مشروع آخر عن الحضارة العربية.
ولكني أعترف – يواصل دكتور زيدان – أنه لا يزال لدينا هشاشة في القشرة المعلوماتية، وليس على أدل على ذلك مما حدث منذ شهرين حيث كانت مئات الآلاف من السياقات المعرفية تتحدث عن الشاب خالد سعيد، ثم انتهى الأمر الآن، فنحن نشهد فورات معلوماتية لا تلبث أن تهدأ حتى تنقضي لتظهر أخرى، ليس لدينا تصنيع لتلك المعلوماتية ولذلك أتساءل دوما عن الحلول هل تكمن في النشر الالكتروني، أم العودة إلى مركزية وسائل الإعلام، ام عبر إحياء تقاليد معينة وجماعات للرأي.
يتابع : هذه الأسئلة تنطلق من مبدأ أن المثقف يلعب في مجتمعه دور "زرقاء اليمامة" التي تنبه للخطر القادم، ولذلك كان التطور الذي تحدثه المعلوماتية في العالم هو محور مقالاتي التي نُشرت في صحيفة "الأهرام" عام 1995 قبل انتشار الإنترنت ولكنها لم تلاقي صدى لأن الناس لم تكن تعرفت بعد على ماهية الإنترنت وكان البعض لا يعرف النطق الصحيح للكلمة! مما جعلني أتذكر القول المأثور: آفة الشئ وضعه في غير موضعه.
تساؤلات الحضور
انتقد أحد الحضور زيدان قائلا بأنه يفكك النصوص بكتاباته ولا يقدم لها حلولا ، ونفى زيدان هذا الأمر بقوله : أبحاثي التي تهدف لإعادة بناء الخريطة التراثية لمصر والتي عكفت عليها سنوات طويلة من عمري، لا يظهر بها أي تفكيك للنص بل على العكس، كما أنني حققت كتاب "الشامل" ويتكون من 7500 صفحة وهو أكبر نص في تاريخ العلم الانساني يكتبه شخص واحد، وقمت بمعالجة فهارس المخطوطات الكترونيا، وفي عام 1990 نشرت كتاب "التراث المجهول" لأبين من خلال 30 مخطوطة مهمة كيف أن هناك مناطق كثيرة جدا في وعينا التراثي مفقودة، ولذلك لست تفكيكيا كما اعتقدت.
كما ناقش زيدان أزمة التلقي عند الجمهور العربي؛ فهو كما يصفه لا ينجذب سوى للأمور السطحية لأن الاشتباك المعرفي مع النصوص مجهد ونحن نرفض المعرفة ونبحث عن الشعارات.
وقال زيدان أننا لا نقدر مفكرينا ومنهم برأيه الدكتور نصر حامد أبوزيد الذي يعتبره الأقرب إليه قائلا أنه ساهم في دخول أبوزيد لمصر ثانية بعد أن تعهد أمام الجهات الأمنية بحمايته الشخصية، وأضاف : "جاء باحثا مقيما في مكتبة الإسكندرية وأقام ست محاضرات حضرتها الجماعات الإسلامية، وأصبح عضوا في مركز المخطوطات الذي أرأسه وشارك في جميع المؤتمرات التي أقامها المركز، وحين مات بكاه الكثيرون بالدمع الحار، حينها تذكرت قول محمود درويش: اخوتي لا يحبونني/ يريدون أن أموت كي يمدحوني!".
وأشار بعض الحضور في مداخلتهم إلى ضرورة أن يقدم المثقفين مشروعا قوميا يلتف حوله الشعب لكي يسهم ذلك في تقدم البلاد وانتشالها من الفساد وهو ما رفضه دكتور زيدان قائلا: من السهل تفادي العمل المجدي بالشعارات، ولذلك حين حدث التردي الاقتصادي ظهر شعار "الإسلام هو الحل"، وحين حدثت هزيمة سمعنا شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" وهو شعار قاد إلى الهزيمة برأيه .
وانتهت الندوة برفض زيدان لمصطلح "حوار الأديان" مؤكدا أنه لا يوجد ما يسمى بذلك، علينا التركيز على قضايانا الأهم مثل تحسين اقتصادنا وتقليل عدد الفقراء في مصر، والبعد عن العقائد متسائلا: هل لا زلنا نناقش إلى الآن حفظ الله تعالى للقرآن ؟ هذا كلام منتهي ومحسوم منذ زمن بعيد فلا داع لتكراره.
وأضاف: أكثر فترات قوة الدولة الإسلامية هي التي ظهر فيها الشعراء المارقين والمفكرين اللادينين وذلك في زمن ازدهار الدولة العباسية ولم تتأثر العقائد لأنه حين تزيد قوة الدولة تزيد حكمتها، وحين تكون ضعيفة تكون أكثر استثارة.
رواية النبطي
قرأ الدكتور يوسف في الختام بعض المقاطع الشعرية من روايته "النبطي" التي صرح أنها ستصدر هذا الشهر، وهي رواية من ثلاثة أجزاء جاءت كلها على لسان بنت مصرية كانت تعيش في كفر صغير في الشرقية، خطبها أحد العرب من جماعة تسمى "الأنباط" وسافر بها إلى هناك وسكنت في منطقة "البيضا" وراء البترا في جنوب الأردن، والأنباط هم الجماعة العربية التي أقامت مدائن صالح والبتراء.
الحيوة الأولى او الجزء الأول" يمثل حياتها في الكفر حتى تم خطبتها، والحيوة الثانية: رحلتها من الكفر إلى ان استقرت في هذه المنطقة، والحيوة الثالثة: حياتها هناك واستعدادهم للرجوع إلى مصر.
ويظهر في الرواية ثلاث شخصيات تاريخية بالفعل هم: حاطب بن أبي بلتعة، وعمرو بن العاص، وزوجته، وفيما عدا هذا خيال لكنه متلائم مع الواقع بحيث لا يخرج عن سياقه.
وحكي الرواية أنثوي كما يذكر زيدان ؛ لأنه في ثقافتنا العربية دوما لا صوت للمرأة، ولكنه صوت بديل عنها فعنترة بن شداد على سبيل المثال يتحدث طوال الوقت عن محبوبته عبلة ولكنها لا تستطيع ان تعبر عن نفسها أبدا ، والجوهر الإنساني لا يكتمل إلا باشتراك الذكورة والأنوثة معا، ولا يمكن ان نمس ذلك الجوهر الإنساني بصدق عبر زاوية واحدة فقط.
هناك تعليق واحد:
منقول
إرسال تعليق